تقوم الحياة الزوجية على أسس ومعايير ضابطة تسعى إلى إشاعة روح الرحمة والمودة والسكينة والاستقرار المنزلي، ومن هذه المعايير التي تقوم عليها هذه الحياة الأسرية، إظهار لغة التفاهم والتحاور التي تتقارب فيها وجهات النظر بين الزوجين، وتتسع معها دائرة المفاهيم والمدارك لتجاوز خلافاتهما ورواسبها، وبالتالي التغلب على الظروف التي قد تواجههما في نسيج حياتهما الزوجية وتهدد مستقبلها، كما أن الحوار وسيلة ناجحة للتعبير والتقارب والتنفيس الفكري والعاطفي والثقافي بينهما، وبدون هذه اللغة الحضارية الواعية ستتعرض الحياة الزوجية لمشكلات وانكسارات وتقلبات بسبب الجفاف العاطفي والتصحر الوجداني، ولعل من أكبر المشاكل في الحياة الزوجية المعاصرة التي ظهرت على السطح الاجتماعي مايسمى بالبخل العاطفي، أو الخرس العاطفي أو الطلاق الوجداني في الحياة الأسرية، والذي يعني في مفهومه.. بأنه حالة تسيطر على الزوجين بعد فترة من الزواج ينعدم فيها الحوار والتواصل بينهما فيعيشان في انعزال عاطفي وانفصام وجداني تام، أي لكل منهما عالمه الاغترابي الخاص البعيد عن الطرف الآخر.! فنجد أن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة اتسعت دائرتها المظلمة مع التغيرات الاجتماعية والتحولات الثقافية الرهيبة التي يشهدها مجتمعنا، وبالتالي ألقت بثقلها على واقع البناء الأسري، ولقد أفرزت هذه التراكمات السلبية داخل الكيان الأسري، فنجد أن رياح هذه القضية المجتمعية سببت تّغيراً في واقع الأبنية الأسرية فبعض مظاهر الحياة الزوجية نجد أنها من الخارج تتصف بالحياة المتكاملة، ومن الداخل نجد فراغاً شبه كامل بين الزوجين لا يجمعهم إلا أحاديث عن مشاكل الأبناء وطلبات البيت فقط، لا تجمعهما أية مشاعر عاطفية ولا روح المودة رغم أنهما يعيشان في بيت وتحت سقف واحد، ولكن حمّى (البخل العاطفي) مزقت الروابط الأسرية وخلخلت توازن الكيان الأسري وتصدع جدرانه الوجدانية فأصبحت بعض الأسر كياناً مفككاً ومنهاراً وجدانيا وعاطفياً، ولذلك فإن هذه القضية المجتمعية تحتاج أولاً الاعتراف بها وبخطورتها، ثم إخضاعها لمزيد من الدراسات الاجتماعية العلمية والأبحاث النفسية الرصينة التي تساهم في تشريح وتحليل وكشف عمق المشكلة، وبالتالي إيجاد الحلول العلمية الممكنة للحد من انتشار هذا المرض داخل البناء الأسري.!