يبدأ سيناريو الطلاق العاطفي حينما تنعدم لغة المشاركة بين الزوجين ويسود الصمت في أركان البيت معلنا تمزق لغة التواصل والحوار بينهما، حتى يصبح كل منهما امام خيارين، احلاهما مر، فإما الطلاق الشرعي الى غير رجعة، أو الاستسلام إلى "الطلاق العاطفي"، الذي يعد أكثر أنواع الطلاق خطورة، وأشدها ألماً، كون الشريكين يعيشان تحت سقف واحد، لكنهما (مطلقان) من دون شهود. (البلاد ) حملت ملف الطلاق العاطفي والتقت بعدد من أهل الرأي فأكدوا أن الطلاق العاطفي، يظهر بين الزوجين، عندما يغيب الحب، والتفاهم، والانسجام، والاهتمام المتبادل، والثقة، والرغبة الحقيقية في البقاء معاً، فتدخل الحياة الزوجية في حالة موت سريري، يختفي فيها الشعور بالأمان الذي يمثل الركيزة الأساسية لنجاحها واستمرارها، ويسكن الصمت في كل زوايا الحديث الذي كان عامراً ذات يوم بينهما ، لافتين إلى أن هناك حزمة من الآليات تذيب " جلطة " الطلاق العاطفي تتمثل في زيادة جرعات الصراحة بين الزوجين فضلا عن محاولة فهم الآخر؛ حقوقه، واجباته، مشاعره، احتياجاته، أفكاره، مشاكله، مخاوفه. ففهم هذه التفاصيل العميقة يساعد حل مشكلة الطلاق العاطفي مع الوقت. بداية ترى ولاء حداد أن هناك أسبابا عديدة تؤدي إلى الطلاق العاطفي واذا انتبه لها كلا من الزوجين فمن الممكن أن يحد ذلك من استمرار هذه الحالة ، التي باتت سمة من سمات العصر والعامل الرئيسي يأتي منذ اختيار الشريك أو الشريكة، سواء كان الاختيار بحسب منصبه ومستواه التعليمي وحالته المادية وما إلى ذلك، أو أن الزوج يختار شريكته كونها موظفه أو جميلة أو حتى إن كانت من اختيار والدته، وكل هذه الاختيارات من الممكن أن ينتج عنها عدم التوافق الفكري وبالتالي انعدام التوافق النفسي مما يوصل إلى الطلاق العاطفي بعد مرور سنوات من الزواج بعد أن يختفي الانبهار بالمواصفات الأولى التي تم الزواج على أساسها ، والأمر الآخر فإن الطلاق العاطفي ينتج عن المشاكل المتكررة وإيقاع الحياة السريع والتفكير المستمر في المصاريف ومشاكل الحياة وفي العمل، وعدم التنفيس عن هذه الضغوط وعدم التفاهم والتحدث عنها مع الشريك حيث يشعر كل من الطرفين أنه يتحمل الهموم والمشاكل لوحده ، وغالبا في هذه الحالات تكون المرأة هي التي تختار الاستمرار في الزواج حتى لو كان هناك خرس عاطفي لاعتبارات عدة على سبيل المثال أنه لا يوجد من يصرف عليها بعد الطلاق النهائي وليس لها دخل مادي تستند عليه مما يجعلها مضطرة للعيش مع شخص غير مناسب لها إطلاقا، ومن وجهة نظري إن لم يكن هناك حياة زوجية متوافقة من الناحية الفكرية والنفسية والعاطفية سيكون هناك موت بطيء للمرأة أكثر من الرجل. غياب المشاعر ومن جانبها تكشف شيماء جيلاني ماجستير توجيه واصلاح أسرى ومستشارة أسرية مراحل وأسباب الطلاق العاطفي، لافتة إلى أن الطلاق العاطفي يعرف بأنه حالة من غياب المشاعر والعواطف من الحياة الزوجية، فيعيش الزوجان في منزل واحد وتحت سقف واحد لكنهما غريبين عن بعضهما. ويعتبر سوء التواصل وعدم امتلاك أحد الزوجين أو كليهما مهارات الحوار والحديث والاستماع ومهارة حل المشكلات من أهم الاسباب التي تؤدي للطلاق العاطفي . و تبدأ المرحلة الاولى من الانفصال الفكري حيث يفكر كل منهما بطريقة مختلفة عن طريقة تفكير الآخر دون وصول لنقطة التقاء . وبعد ذلك تنتقل الحالة إلى مرحلة الانفصال الوجداني ونتيجة للانفصال الفكري يبدأ كل منهما بالقيام بتصرفات قد تكون غير مقبولة وغير مرغوبة عند الطرف الثاني فيصاب ارتباطهما الوجداني بشرخ كبير يؤثر على احساسهم و مشاعرهم تجاه بعضهم. وفي النهاية يصل إلى المرحلة الأخيرة من الطلاق العاطفي والتي قد تطول وربما تنتهي بالطلاق الشرعي . وآثار الطلاق العاطفي السلبية ليست فقط على الزوجين وإنما يمتد أثرها على الابناء وهذا يؤثر على أدوارهم مستقبلا ومفهومهم للحياة الزوجية و طريقة التواصل الصحيح ، والزوجان اللذان يصلان الى مرحلة الطلاق العاطفي بحاجة للذهاب الى أخصائي ليعيد بناء التواصل الجيد عن طريق نظريات الاتصال و تقنياتها و فنياتها. روح الرحمة ويحلل من الجانب الاجتماعي خالد الدوس باحث أكاديمي متخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية أسباب وآثار الطلاق العاطفي موضحا بقوله: تقوم الحياة الزوجية على أسس ومبادئ ومعايير ضابطة تسعى إلى إشاعة روح الرحمة والمودة والسكينة والاستقرار المنزلي، ولعل أهم هذه المعايير التي تقوم عليها هذه الحياة الأسرية إظهار لغة التفاهم والتحاور اللذين تتقارب فيهما وجهات النظر بين الزوجين، وتتسع معها دائرة المفاهيم والمدارك لتجاوز خلافاتهما ورواسبها، وبالتالي التغلب على الظروف التي قد تواجههما في نسيج حياتهما الزوجية وتهدد مستقبلها، كما أن الحوار وسيلة ناجحة للتعبير والتقارب والتنفيس الفكري والعاطفي والثقافي بينهما، وبدون هذه اللغة الحضارية الواعية ستتعرض الحياة الزوجية لمشكلات ومثالب وانكسارات وتقلبات بسبب الجفاف العاطفي والتصحر الوجداني، ولعل من أكبر المشاكل في الحياة الزوجية المعاصرة التي ظهرت على السطح الاجتماعي ما يسمى بالخرس العاطفي، أو الطلاق الوجداني، أو الصمت الزواجي في الحياة الأسرية، والذي يعني في مفهومه.. وحسب معطيات علم الاجتماع الاسري: «بأنه حالة من انعدام الحب والتعاطف يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد ويعيشان في انعزال عاطفي وانفصام وجداني تام» أي لكل منهما عالمه الاغترابي الخاص البعيد عن الطرف الآخر.. فنجد أن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة.. اتسعت دائرتها المظلمة مع التحولات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية والثقافية الرهيبة التي يشهدها المجتمع السعودي في واقعه المعاصر، وبالتالي ألقت بثقلها على واقع البناء الأسري ولقد أفرزت هذه التراكمات السلبية ما يسمى ( بالخرس العاطفي) أو الصمت الزواجي داخل الكيان الأسرى فنجد أن رياح هذه القضية المجتمعية سببت تّغيرا في واقع الأبنية الأسرية.. فبعض مظاهر الحياة الزوجية نجد أنها من الخارج تتصف بالحياة المتكاملة.. ومن الداخل نجد فراغا شبه كامل بين الزوجين لا يجمعهم إلا أحاديث عن مشاكل الأبناء وطلبات البيت فقط..!!، وأصبح بالتالي الزوج يعيش في جزيرة منفصلة والزوجة في جزيرة أخرى.. لا تجمعهما أية مشاعر عاطفية ولا روح المودة رغم أنهما يعيشان في بيت وتحت سقف واحد. تمزق الروابط ويضيف الدوس من الآثار السلبية لحمّى (الخرس العاطفي) تمزق الروابط الأسرية وتخلخل توازن الكيان الأسري وتصدع جدرانه الوجدانية وبالتالي تصبح الأسرة كيانا مفككا ومنهارا وجدانياً وعاطفياً ونفسياً.. بسبب فتور مزمن أو مؤقت للعلاقة بين الزوجين..هذا فضلا عن تأثير رياح (الخرس العاطفي) بين الزوجين على صحة الاطفال التربوية والسلوكية كذلك على نموهم النفسي والعاطفي والاجتماعي, طبعاً هذه الظاهرة المجتمعية الخفية لها أسباب متعددة قد تكون اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو صحية.. أو بسب التباين الفكري والثقافي والتعليمي بين الزوجين.. وهكذا تعدد الأسباب والمسببات وتبقى ظاهرة الخرس العاطفي أو الطلاق الوجداني أخطر من الطلاق الطبيعي..!! ففي إحدى الدراسات الاجتماعية عن الخرس العاطفي أشارت معطياتها ونتائجها إلى ان 79% من حالات الانفصال تعود إلى غياب (الحوار الأسري).. والحوار أساس الاستقرار الوجداني والنفسي والأسري والاجتماعي، والأكيد أن الحياة التي لا تقوم على الحوار والتفاهم والمودة والرحمة والمشاعر الوجدانية المتبادلة، حياة عقيمة وسقيمة وكئيبة.. قابلة للانهيار الوجداني، وتمزيق الروابط النفسية، وانعدام الاستقرار الأسري. ولذلك فإن هذه القضية المجتمعية تحتاج مزيدا من الدراسات الاجتماعية العلمية والأبحاث النفسية الرصينة التي تساهم في تشريح وتحليل وكشف عمق المشكلة، وبالتالي إيجاد الحلول العلمية الممكنة للحد من انتشار فيروسات هذا المرض الاجتماعي وضبط توازنه داخل البناء الأسري. سيناريو العلاج كما توضح سوزان سنبل المرشدة النفسية للسلوك: أسباب وطرق علاج الطلاق العاطفي قائلة الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق العاطفي هي الضغوط المادية التي يتعرض لها الزوجان أثناء الانغماس في توفير متطلبات الحياة وبالتالي الشعور بالإرهاق وقلة الوقت للتعبير عن المشاعر ،أنانية أحد الزوجين بالتركيز على احتياجاته فقط دون مراعاة حقوق الطرف الآخر عليه الشعور بالضعف وعدم القدرة على التواصل مع الطرف الآخر، الفشل في تحديد الأولويات بحيث بفضل مثلا احد الشريكين عمله او حباته الاجتماعية على أسرته ، التقليل من أهمية وقدر احد الشريكين لأحدهما الآخر وإهانته خاصة أمام الاخرين ، التعالي والاحساس بالأفضلية على الشريك وبالتالي تدني المعاملة الخيانة والكذب المتكرر رغم انكشافها اكثر من مرة. اختلاف الثقافة والاهتمامات بين الزوجين وعدم الحرص على مشاركتها مع الطرف الآخر. علاج المشكلة وتستطرد سوزان سنبل بقولها: على الرغم من وقوع الطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي، إلا أن هناك طرقا لعلاجه، وسنستعرض هنا بعض النصائح التي قد تكون مجدية في علاج الطلاق العاطفي ومنها زيادة الصراحة والوضوح بين الزوجين، ومحاولة فهم الآخر؛ حقوقه، واجباته، مشاعره، احتياجاته، أفكاره، مشاكله، مخاوفه… ففهم هذه التفاصيل العميقة يساعد حل مشكلة الطلاق العاطفي مع الوقت وخلق لغة حوار وتفاهم بين الزوجين، والعمل دائماً على التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف في حالة وقوع المشاكل، ومحاولة الاستمتاع بالعلاقة الاسرية بين الزوجين ومشاركة الطرف الآخر اهتماماته وهواياته وشغفه، وعلى كل من الزوجين مدح الآخر، وإشعاره بالامتنان وتقدير أعماله وأفعاله مهما كانت بسيطة. والاعتراف من قبل كل من الزوجين بأهمية الآخر في حياته، وإعطائه الأولوية دائماً. استعمال الكلمات الجميلة والرقيقة المحببة لكلا الطرفين بشكل دائم، مما يزيد من المحبة والود بينهما فضلا عن كسر الروتين اليومي، ومحاولة تجربة أمور جديدة في الحياة، حتى لو كانت بسيطة جداً وغير مكلفة.