لطالما كان الحديث خلال عقود مضت، عن أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية، ووضعت من أجل ذلك البرامج والخطط التي تعزز هذا الجانب، وتطمئن به المستثمر الأجنبي على مدخراته، واليوم يتجدد الحديث، ولكن بآليات جديدة، ومعايير حديثة، تضع البلاد على أعتاب مرحلة مهمة في تاريخها الاقتصادي، مرحلة تنقل البلاد إلى عالم المال والأعمال في مشهده الدولي، وتجسد هذا الأمر بإطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي ترقبها المستثمر الوطني والأجنبي، من أجل الدخول إلى السوق السعودي، واستثمار ما تنعم به من فرص نوعية واعدة، تحقق له طموحاته وأحلامه. وبإطلاق الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، علينا أن ندرك أمرين مهمين؛ الأول أن هذا الإطلاق يعني نجاح المملكة في مرحلة الإصلاح الاقتصادي التي بدأت بها رؤية 2030، وهذا النجاح مهد الطريق اليوم لبدء مرحلة جذب الاستثمارات، التي ستأتي على أرضية صلبة، تساعدها على الانطلاق لآفاق واسعة، واستكمال رحلة بناء الاقتصاد الوطني، والأمر الثاني أن هذه الاستراتيجية ستكون بمثابة مرحلة حصد ثمار الرؤية التي وعدت قبل نحو 5 سنوات، بإعادة بناء مرتكزات الاقتصاد السعودي، وتحويل بوصلته من الاعتماد على دخل النفط، للاعتماد على مجالات اقتصادية مستدامة، عنوانها الأبرز التوجه صوب المشاريع الريادية، وزيادة الإنتاج الفعلي. ويؤكد إعلان الاستراتيجية الوطنية للاستثمار أمراً مهماً، لابد أن نقف عنده، وهو أن المملكة تسير على الطريق الصحيح الذي اختاره ولاة الأمر، ورحب به المواطنون، بإعادة مفاصل الاقتصاد الوطني، وإخراجه من مظلة "الرعوية"، والاعتماد المبالغ فيه على النفط، إلى إيجاد قطاعات اقتصادية تدر دخلاً جيداً على خزينة البلاد، في استشعار حقيقي لخطورة الاعتماد طويلاً على النفط، الذي أثبتت جائحة كورونا أنه دخل غير مضمون، والرهان عليه في حد ذاته مجازفة غير محمودة العواقب. وبإعلان هذه الاستراتيجية، علينا أن نرسم صورة مثالية لما ستكون عليه المملكة في قادم السنوات، عندما تستقبل المزيد والمزيد من الاستثمارات الأجنبية، وهذا الطموح لن يكون متواضعاً بالمرة، إذا عرفنا أن المستهدف هو مضاعفة الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 20 مرة، والانتقال به من حاجز ال17 مليار ريال، إلى 388 مليار ريال، وبالتالي مضاعفة الاستثمارات إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤكد أننا أما مشهد استثماري "استثنائي" لم تشهده المملكة من قبل، سيجعل منها وخلال فترة وجيرة، مركز جذب الاستثمارات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط. يقيني أن خطوة إعلان هذه الاستراتيجية، ستلقى نجاحاً يتجاوز حدود التوقعات، اعتماداً على ما أحدثته رؤية 2030 في المشهد الاقتصادي الوطني من تحولات جذرية، أدرك منها العالم أن المملكة قادمة لتسجل نفسها في قائمة الاقتصاديات العالمية القوية، وأنها لن تقبل إلا أن تكون في دول الصف الأول، ليس لا، ولديها كل الإمكانات والقدرات المالية والبشرية التي تؤهلها لذلك، ولكن يبقى الأهم من هذا وذاك، عزيمة الشعب السعودي على صناعة المستحيل، وحدث هذا عندما سارت برامج الرؤية في مسارها ووفق برنامجها الزمني، بالرغم من تداعيات جائحة كورونا المدمرة، وسيتكرر المشهد مرة أخرى في مرحلة استقبال الاستثمارات الأجنبية.