قبل نحو خمس سنوات، وعدت رؤية 2030 باقتصاد وطني قوي، يعتمد على مجالات اقتصادية تتميز بالاستدامة المالية القادرة على دعم خزينة البلاد، بعيداً عن دخل النفط المتأرجح. وفترة بعد أخرى، تفاجِئنا الرؤية بأفكار وبرامج ومشروعات، تؤكد أنها نجحت في مسعاها، ووصلت إلى أبعد نقطة من بناء دولة حديثة، بآلية اقتصادية مغايرة، تتناغم وتتماشى مع مواصفات اقتصادات الدول الكبرى، بالاعتماد على الإنتاج ومشروعات التقنية والابتكار وريادة الأعمال. ولأن للرؤية منهجية تسير عليها، وخطوات متدرجة تخطوها بعناية فائقة، أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالأمس الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي ستدشن مرحلة مهمة في مسيرة تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني. وتزامن إطلاق هذه الاستراتيجية مع بدء المرحلة الثانية من مراحل الرؤية، وتتميز هذه المرحلة بإطلاق الفرص الواعدة أمام المستثمرين للمساهمة في بناء اقتصاد راسخ البنيان، وكانت المرحلة الأولى ركزت على الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي مهدت الطريق لما نشهده اليوم. وجاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في وقت مناسب، بعد نجاح المملكة في السيطرة على فيروس كورونا، والتوجه نحو الانفتاح الشامل، وبدء مرحلة جديدة من العمل الجاد، لتعويض ما خلفته الجائحة من تراجع وإغلاق بعض القطاعات الاقتصادية، كما جاءت هذه الاستراتيجية حاملة معها إيجابيات لا حدود لها، إذ يكفي أنها ستتيح الفرص الاستثمارية الهائلة أمام من يرغب من المستثمرين، ولنا أن نتخيل مردود هذه الاستثمارات على الجميع. ولم تخل أهداف الاستراتيجية من ذكاء متوقع، يقلل المجهود، ويزيد من حجم الفائدة، وذلك عندما أعلنت التوجه في استثمار الموقع الجغرافي "الاستثنائي" للمملكة، ومن ثم توظيف موارد البلاد الاقتصادية، ويعتمد هذا التوجه على وجود دراسات ميدانية، أجمعت على أن المملكة لم تستثمر إمكاناتها ومواردها بالشكل المطلوب بعد، وأن الاستثمار الأمثل لهذه الإمكانات والموارد، كفيل بتحقيق كامل التطلعات والآمال. مؤشرات نجاح هذه الاستراتيجية موجودة من الآن، وتبعث على الاطمئنان، فبجانب موقع البلاد الجغرافي، فالمملكة إحدى دول مجموعة العشرين، وصاحبة أكبر اقتصادات الشرق الأوسط وأسرعها نمواً، وتتميز بأن أغلبية سكانها الذين يتجاوز عددهم 35 مليون نسمة، من فئة الشباب المتعلمين والمتمكنين مادياً، وثلثاهم دون 35 عاماً، يضاف إلى ذلك، أن اقتصاد المملكة آخذ في التحول نحو الرقمية، كل هذا وذلك، يؤكد حقيقة مهمة، وهي أن البلاد مقبلة على انفتاح غير مسبوق، سيجعل منها بؤرة اهتمام الاستثمارات في المنطقة والعالم، سواء المقبلة من الشركات العالمية أو المستثمرين الأفراد.