الثقل الدبلوماسي السعودي عالمياً يحول دون الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والمملكة تسير في سياستها الخارجية عامة، وتجاه القضية الفلسطينية خاصة، في نطاق أخلاقي أملاه عليها دينها الإسلامي، وثقافتها العربية، واستشعارها لأهميتها وثقلها على الصعيد العربي والإسلامي والدولي. «اتفاق مكة» أكد على التئام الوحدة الوطنية وحرمة الدم الفلسطيني وورث الأبناء الملوك عن المؤسس - رحمه الله - صفات القائد الهمام، والنبيل الملهم، وصفات القيادة السعودية التي تعتبر القضية الفلسطينية منذ ميلاد المملكة قضيتها الأولى بامتياز.. هذا ما جاء في دراسة للدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - رحمه الله -، كان مقرراً إلقاؤها في مهرجان الجنادرية، والذي جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، واليوم «الرياض» تنفرد بنشر هذه الدراسة تحت عنوان: (فلسطين والسياسة الخارجية السعودية - ثوابت وتوازن) بالتنسيق مع سفارة دولة فلسطين. المملكة أنشأت صندوقاً لدعم القدس الشريف والحفاظ على عروبته وطابعه الإسلامي رابعاً: فلسطين والسعودية: ميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية 1994م وحتى نهاية العام 2014م 1 - مؤتمر مدريد للسلام 1991م: بعد انتهاء حرب الخليج الأولى وتحرير الكويت، تمكنت الولاياتالمتحدة الأمريكية برئاسة الرئيس جورج بوش (الأب) وبالتعاون مع الاتحاد السوفييتي، الذي كان قد بدأ بالتفكك، والاتحاد الأوروبي والدول العربية وعلى رأسها السعودية، من عقد مؤتمر مدريد للسلام 30 أكتوبر - الأول من نوفمبر 1991م. المبادرة السعودية تستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات مجلس الأمن لقد ساهمت السعودية إسهاماً مباشراً وبالتعاون مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسورية ولبنان ومصر وأمريكا والاتحاد السوفييتي والدول الأوروبية والصين والسكرتير العام للأمم المتحدة في انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، استناداً إلى مرتكزات القانون الدولي، والشرعية الدولية، وعلى رأسها قراري مجلس الأمن الدولي (242) و(338)، ومبدأ الأرض مقابل السلام. مؤتمر مدريد وما تبعه من مفاوضات مباشرة في واشنطن، ومن ثم إعلان مبادئ أوسلو، أدت إلى ميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م، وذلك باتفاق تعاقدي دولي وقع في البيت الأبيض في واشنطن بمشاركة وحضور المجتمع الدولي بمن فيهم السعودية. دعمت السعودية عملية السلام، ورفعت صوتها قارياً ودولياً ضد الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية وفرض الحقائق على الأرض، وخصوصاً فيما يتعلق بالإملاءات في مدينة القدس الشريف وما حولها. القدس الشريف كان على الدوام قضية السعودية الأولى بامتياز، فبعد محاولة إحراق المسجد الأقصى المبارك عام 1968م، بادرت السعودية لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي اتخذت من السعودية مقراً لها، وفي إطار هذه المنظمة أنشأت السعودية صندوقاً خاصاً للقدس هدفه تقديم الدعم المادي للحفاظ على عروبة القدس وطابعها الإسلامي، ومقدساتها المسيحية والإسلامية، ودعم صمود أبناء الشعب العربي الفلسطيني في القدس الشريف. كانت السعودية أول من رفض قرار إسرائيل بضم مدينة القدس المحتلة، وكانت وراء إصدار قرار مجلس الأمن (478) لعام 1980م، والذي اعتبر جميع الإجراءات التي قامت بها إسرائيل (سلطة الاحتلال) لتهويد القدس وبما في ذلك قرار الضم الجائر وغير الشرعي باطلاً وملغىً، لا يخلق حقاً ولا ينشئ التزاماً. كانت السعودية وراء عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واستخدمت ثقلها الدبلوماسي لسحب سفراء الدول التي أرسلت سفراءها إلى القدس المحتلة، ومنعت أي دولة أخرى بما فيها الولاياتالمتحدة من نقل سفارتها إلى القدس أو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. في مؤتمر مدريد للسلام ارتكزت مرجعيات المؤتمر ورسائل الدعوة إلى القواعد التي حددت في مشروع الملك فهد للسلام والذي اعتمدته قمة فاس العربية عام 1982م، مبدأ الأرض مقابل السلام، قراري مجلس الأمن (242) و(338)، اعتبار الاستيطان غير شرعي، خضوع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف إلى فترة انتقالية محددة زمنياً، انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشريف، حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة(35). خلال سنوات المفاوضات كنا نطلع الأشقاء في السعودية أولاً بأول على تطورات المفاوضات، كان الموقف السعودي داعماً لنا، وما طلبنا من أمر إلا كان الملك فهد أو الملك عبدالله يعطي تعليماته للأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لعمل اللازم، سواء أكان للاتصال مع الإدارات الأمريكية، أو الأوروبية، أو الآسيوية والإفريقية والأمريكية الجنوبية(36). كذلك نقطة الارتكاز عند السعودية تقول لنا: «أنتم أصحاب القرار في كل قضايا الوضع النهائي، وسوف ندعم مواقفكم، ولكن لن نسمح بحل سياسي دون أن تكون القدس الشريف عاصمة لدولة فلسطين، وكان ردنا لا معنى أن تكون فلسطين دون أن تكون القدس الشريف عاصمة لها». 2 - مبادرة السلام السعودية (الملك عبدالله): كما أسلفنا كانت السعودية تتابع ملفات المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بشكل يومي، وكانت تتابع استمرار الممارسات الإسرائيلية التعسفية والنشاطات الاستيطانية وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وتهويد القدس والتنكر للاتفاقات الموقعة. مع كل يوم كان صدر السعودية يضيق أمام الممارسات الإسرائيلية، واستمرار تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع إسرائيل كدولة فوق القانون. تلك السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر 2000م ضمير العقل والحق إزاء القضية الفلسطينية عند القيادة السعودية، شكلت ميزاناً تقاس به تطورات الأوضاع الإقليمية والقارية والدولية. ومع انهيار عملية السلام، وتواصل آلة الحرب الإسرائيلية وما تملك من سلاح طيران وبحرية وقوات برية، في حملة عسكرية غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، ووصولاً إلى فرض الحصار على الرئيس عرفات في مقر المقاطعة في رام الله، إضافة إلى إجراءات العقوبات الجماعية من حجز أموال السلطة الفلسطينية والحصار والإغلاق واستخدام المواد الغذائية والدواء والوقود كسيوف مسلطة على رقاب الشعب الفلسطيني، ومن ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في أمريكا، وسط كل هذه الظروف العصيبة، وحرصاً على أن لا يترك الشعب الفلسطيني وحيداً أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، بادر الملك عبدالله إلى طرح مبادرة عملية واقعية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، استناداً إلى مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات العلاقة. وقد اعتمدت قمة بيروت العربية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بالإجماع في قمة بيروت التي عقدت يومي 27 - 28 مارس 2002م، وجاء في البيان الختامي للقمة: «يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من يونيو 1967م. التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425، ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على تلازم المسارين السوري واللبناني وارتباطهما عضوياً مع المسار الفلسطيني تحقيقاً للأهداف العربية في شمولية الحلّ. وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً. كما يطالبها القيام بما يلي: 1- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967م، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوبلبنان. 2- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. 3- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967م في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشريف. عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي: أ- اعتبار النزاع العربي - الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل، وضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة. * يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام، وحقناً للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار. * يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة. * يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة، والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات، وفي مقدمتها الأممالمتحدة، ومجلس الأمن، والولاياتالمتحدة، والاتحاد الروسي، والدول الإسلامية، والاتحاد الأوروبي(37). لقد قررت قمة بيروت العربية التوقف عن إقامة أي علاقات مع إسرائيل، وتفعيل مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل حتى تقوم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة. مبادرة الملك عبدالله ولعلها الأهم استراتيجياً الذي يطرح عربياً منذ عام 1948م، جاءت متوافقة مع ثوابت السعودية تجاه القضية الفلسطينية، وقضايا العرب، فما تطرحه المبادرة يستند إلى حل عادل وشامل ودائم، مع ربط حقيقي بين المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، وتقول المبادرة بصوت مرتفع نحن نسعى للسلام، ونريد السلام، ولكن لن يكون سلامنا بأي ثمن، السلام الذي ننشد تقول السعودية يعني: أ- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وعلى رأسها القدس الشريف. ب- حل كافة قضايا الوضع النهائي، وعلى رأسها قضية اللاجئين، استناداً للقرار الدولي (194). ت- قيام دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967م، والقدس الشريف عاصمة لها. ث- لن ينتهي الصراع دون ذلك، ولن يحقق السلام ما لم تلتزم إسرائيل بذلك، ولن يكون هناك علاقات مع إسرائيل قبل تنفيذ الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل. المبادرة السعودية أو مبادرة السلام العربية اعتمدت إسلامياً، من خلال كافة قمم منظمة التعاون الإسلامي، كما اعتمدتها حركة عدم الانحياز رسمياً، وتم اعتمادها في خارطة الطريق الدولية التي قدمتها اللجنة الرباعية الدولية عام 2002م. الدول العربية أنشأت لجنة خاصة لمتابعة مبادرة السلام العربية عرفت باسم لجنة متابعة مبادرة السلام العربية بعضوية 15 دولة عربية والأمين العام للجامعة العربية، وتجتمع هذه اللجنة بانتظام، وتتابع مسار وتطورات القضية الفلسطينية من كافة جوانبها. ولدعم عملية السلام ومبادرة السلام العربية حاول الملك عبدالله إقناع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بتبني المُبادرة عندما قام بزيارته في مزرعته في تكساس عام 2005م. :اتفاق مكة 2007م بعد استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في شهر نوفمبر 2004م، جرت انتخابات رئاسية في فلسطين فاز فيها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) عام 2005م. وفي مطلع العام 2006، أجريت انتخابات تشريعية في فلسطين فازت بها حركة (حماس)، وشكلت حكومة منفردة، وبدت بوادر الانقسام تطغى على الحياة السياسية الفلسطينية، فتداعت السعودية إلى عقد لقاء مكة بين حركتي (فتح) و(حماس) بين 06 - 08 فبراير 2007م. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أشرف شخصياً على هذه اللقاءات، وشارك بها مع أركان القيادة السعودية، وقد تكللت الجهود بالنجاح، إذ تم الإعلان عن اتفاق مكة يوم 08 فبراير 2007م، وجاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).. صدق الله العظيم. بناء على المبادرة الكريمة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله بن عبدالعزيز - ملك المملكة العربية السعودية - وتحت الرعاية الكريمة لجلالته، جرت في مكةالمكرمة بين حركتي (فتح) و(حماس) في الفترة من 19 - 21 محرم 1428 هجرياً الموافق ب 06 - 08 فبراير 2007م حوارات الوفاق والاتفاق الوطني.. وقد تكللت هذه الحوارات بفضل الله - سبحانه وتعالى - بالنجاح حيث جرى الاتفاق على ما يلي: أولاً: التأكيد على: * حرمة الدم الفلسطيني، واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك. * مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال. * وتحقيق الأّهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. * واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية. وفي هذا الإطار، نقدم الشكر الجزيل للإخوة في مصر الشقيقة والوفد الأمني المصري في غزة.. الذين بذلوا جهوداً كبيرة في تهدئة الأوضاع في قطاع غزة في الفترة السابقة. ثانياً: الاتفاق - وبصورة نهائية - على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها. ثالثاً: المضي قدماً في إجراءات تطوير وإصلاح (منظمة التحرير الفلسطينية)، وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق. وقد جرى الاتفاق على خطوات تفصيلية بين الطرفين بهذا الخصوص. رابعاً: تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى قاعدة التعددية السياسية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين. * إننا إذ نزف هذا الاتفاق إلى جماهيرنا الفلسطينية وجماهير أمتنا العربية والإسلامية وكل الأصدقاء في العالم، فإننا نؤكد التزامنا بهذا الاتفاق - نصاً وروحاً - من أجل التفرغ لإنجاز أهدافنا الوطنية والتخلص من الاحتلال واستعادة حقوقنا والتفرغ للملفات الأساسية، وفي مقدمتها: قضية القدس والمسجد الأقصى وقضية الأسرى والمعتقلين ومواجهة الجدار والاستيطان. كانت السعودية أول من بادر لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية إدراكاً منها بأن انقسام الشعب الفلسطيني سيعود عليه بالخراب والدمار. وللأسف الشديد لم يصمد هذا الاتفاق، إذ قامت حركة (حماس) بانقلاب دموي في قطاع غزة في شهر يونيو 2007م، أدى إلى فصل الضفة الغربية والقدس الشريف عن قطاع غزة، واستغلت الحكومات الإسرائيلية هذا الانقسام بشن ثلاث حروب إجرامية على قطاع غزة الأولى في نهاية عام 2008م إلى مطلع العام 2009م، والثانية عام 2012م، وأما الحرب الإجرامية الثالثة فكانت في صيف عام 2014م. السعودية كانت تُدرك مُعارضة الولاياتالمتحدة للمُصالحة، إذ كانت تُصر على اعتراف حماس بإسرائيل، ومع ذلك قامت السعودية بواجبها ارتكازاً لثوابتها من قضية فلسطين، وكذلك فعلت عندما عارضت أميركا في مجلس الأمن في يناير 2009م، وأصرت على طرح مشروع قرار في مجلس الأمن ثم تمريره تحت رقم (1860). ولا بد من الإشارة إلى الزيارة الأولى للمنطقة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما كانت للسعودية عام 2009م، حيث أكد للملك عبدالله أنه يضع حل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على رأس جدول أعماله. خامساً: الخاتمة منذ أن كانت السعودية شكلت القضية الفلسطينية لها نقطة الارتكاز الرئيسة في سياستها الداخلية والخارجية، إذ كانت فلسطين بالنسبة للسعودية وما زالت هماً عربياً، وإنسانياً، وأخلاقياً، ووطنياً، وقارياً، ودولياً. حاولنا من خلال هذه الدراسة أن نبين ثبات وتوازن السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وإلى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. لم نتطرق في هذا البحث إلى المساعدات المالية التي قدمتها المملكة العربية السعودية إلى الشعب الفلسطيني وفي مختلف المجالات، فهذا بحد ذاته يحتاج إلى دراسة خاصة، ولكن الحق يقال إن كل ما تعهدت به المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية قد دفع كاملاً، بدءاً بمساعدة المجاهدين قبل النكبة عام 1948م، ومروراً بمساعدة اللاجئين عبر المؤسسات الدولية ذات العلاقة والدول المضيفة لهم، ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واقتطاع نسبة من رواتب العاملين من أبناء الشعب الفلسطيني في السعودية، أو تلك المساعدات التي صرفت من خلال الصناديق العربية والإسلامية وتلك التابعة للأمم المتحدة. كذلك وقفت القيادة السعودية خلف الشعب الفلسطيني عندما اختار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لها، ووقفت مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما طرحت النقاط العشر للحل السياسي عام 1974م، واستخدمت السعودية سلاح النفط بتخطيط واستراتيجية حققت أهدافها عام 1973م. أما من الناحية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية فإن ما اعتمدته قمة (فاس) العربية عام 1982م، وما اعتمدته قمة (بيروت) العربية عام 2002م، كانت مُبادرات سعودية بامتياز، ارتكزت إلى مبادئ وأسس وقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، ولم تنتقص من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين، استناداً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، دون الفصل بين المسارات اللبنانية والسورية، فالحل الذي تضمنته المبادرات السعودية كان يستند إلى تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل في المنطقة. لن نكرر مواقف الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، حين كاد أن يضحي بحكمه من أجل فلسطين من خلال اتصالاته مع ألمانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ورفضه لمقايضة المساعدات السعودية بقبول إقامة دولة يهودية في فلسطين، ورفضه المطلق توطين اليهود في فلسطين من خلال رسالته التاريخية للرئيس الأميركي روزفلت. في عام 2012م كانت السعودية الداعم الرئيس لطلب منظمة التحرير الفلسطينية قبول عضوية دولة فلسطين في الأممالمتحدة بصفة مراقب، في حينه جندت الدبلوماسية السعودية كل ما تملك مع الأشقاء العرب الأمر الذي مكّن فلسطين من الحصول على 138 صوتاً لقرار القرار 67/19 لعام 2012م، والذي منح دولة فلسطين صفة مراقب في الأممالمتحدة. واليوم تقف السعودية بحزم وثبات مع مسعى دولة فلسطين للانضمام إلى المواثيق والمعاهدات والمؤسسات الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية، حيث قدمت فلسطين صك الانضمام في 31 ديسمبر 2014م، وأعلن السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم 6 يناير 2015م، أن دولة فلسطين ستحصل على العضوية الكاملة في محكمة الجنايات الدولية في 01 أبريل 2015م. ومع كل مرة مورست الضغوط على منظمة التحرير الفلسطينية من قبل إسرائيل بحجز أموال الشعب الفلسطيني، أو من قبل أميركا بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، كانت السعودية المبادرة دائماً لتوفير ما يلزم للشعب الفلسطيني من مساعدات لتمكينه من الصمود في وجه الضغوط والتحديات. على الرغم من الجهود السعودية التي كانت أول من تنبه إلى ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث حققت بنجاح اتفاق مكة في فبراير 2007م، إلاّ أن الانقسام ما زال يُشكل الجرح النازف للفلسطينيين والعرب، هذا الأمر الذي يحتم علينا كأبناء الشعب الفلسطيني مساعدة أنفسنا لتحقيق وحدتنا، لأننا إن لم نساعد أنفسنا، فإن اتفاقات مكة، وصنعاء، والدوحة، والقاهرة لن تتمكن من مساعدتنا. على مدى عقود شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات هائلة شملت الثورات، والانقلابات، والحروب بين الدول الحروب الأهلية، وتأثرت بانهيار الاتحاد السوفييتي والحروب المباشرة وتلك التي تتم بالوكالة، بعض هذه التطورات وكاحتلال الكويت عام 1990م، وحرب تحريره، وضع السعودية في عين العاصفة، إلا أن ثوابت وتوازن سياسة المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية سواء في رفض مشروع إقامة دولة إسرائيل أو في محاولة إعادة دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف إلى خارطة الجغرافيا، لم تتأثر ولم ولن تتغير. المصادر والمراجع: 35 - شاركت شخصياً في الإعداد لمؤتمر مدريد للسلام، كما شاركت في المؤتمر كنائب لرئيس الوفد الفلسطيني، وكنت على اطلاع بدور الدبلوماسية السعودية في كل خطوة من خطوات الإعداد للمؤتمر وانعقاده وما تلاه. 36 - كان ذلك يتم من خلال الرئيس ياسر عرفات والرئيس محمود عباس، مع الملك فهد - رحمه الله -، والملك عبدالله، أو لقاءات كانت تجمعني مع الأمير سعود الفيصل. 37 - اعتمدت القمة العربية الرابعة عشرة المنعقدة في بيروت مبادرة الملك عبدالله، واعتمدت تسميتها مبادرة السلام العربية، وذلك يوم 28 مارس 2002م. ضباط الجيش السعودي المشاركون في الدفاع عن فلسطين 1948م «دارة الملك عبدالعزيز» الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس ياسر عرفات الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال استقباله الرئيس محمود عباس الأمير نايف بن عبدالعزيز خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبمعيته د. صائب عريقات الملك سلمان عندما كان أميراًً لمنطقة الرياض والرئيس ياسر عرفات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس محمود عباس