لا شك أن مصطلح المثقف، كان وما زال وسيبقى من أكثر المصطلحات اختلافاً ولغطاً وجدلاً، ورغم كل الآراء والدراسات والأبحاث التي تناولت هذا المصطلح المثير، قديماً وحديثاً، إلا أن تعريف المثقف ما زال يدور في فلك التشكّل والتجدد، بل والتنازع والتصادم. وبعيداً عن فخاخ ومتاهات التعريفات والتوصيفات التي لا تنتهي للمثقف، أضع باختصار واختزال تعريفاً بسيطاً ومباشراً للمثقف، لأصل بعده لفكرة هذا المقال وهي: دور وحقيقة المثقف الإلكتروني المتسلح بأدوات وقدرات العولمة الرقمية الجديدة التي تُبشّر لها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديد، والتي تجذب كل المكونات والتعبيرات، خاصة الأجيال الصغيرة والشابة التي وجدت في هذه الوسائط والوسائل عالمها الذي يُشبهها ويُلبي طموحاتها وتطلعاتها، ما دور المثقف الإلكتروني الذي يُجيد التعامل بذكاء وشغف مع المنصات والمنابر الإلكترونية "الافتراضية" في صنع حالة ثقافية جديدة؟ الإجابة عن هذا السؤال المعقد، هي هدف هذا المقال. والمثقف باختصار واختزال شديدين: هو ذلك الإنسان الذي يملك رؤية واسعة ووعياً مستنيراً واطلاعاً مستفيضاً في مجال ما أو قضية ما، وذلك من أجل تقديم وجهة نظر عميقة وصنع رؤية ثرية، ولعلّ وصف الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي "1891 - 1937" للمثقف بأنه ذلك الإنسان الذي يمتلك رؤية معينة تجاه المحيط الذي يعيش أو ينشط فيه، يُقارب كثيراً هذا النوع الجديد من المثقفين والذي يتحرك بشغف ونشاط في فضاء الإنترنت الواسع، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أحد أهم مصادر النشر والإنتاج الفكري والثقافي والاجتماعي. وأنا هنا، لن أدخل في ذلك السجال الدائر منذ عقود بين المثقف التقليدي والجديد، فهي أشبه بحرب مستعرة بين طرفين/ فكرين متوازيين لن يلتقيا أبداً، الفضاء الإلكتروني الآن، بل منذ عقدين تقريباً، أصبح ملاذاً رحباً للمثقفين، خاصة الشباب الذين وجدوا في وسائطه ووسائله الإلكترونية الجذابة والمغرية، ساحة ثقافية واسعة لممارسة الثقافة بمختلف أشكالها ومستوياتها، لقد تحوّلت هذه الساحات والفضاءات الإلكترونية إلى قاعات ومسارح وأمسيات تنبض بالحياة الثقافية الجديدة وتزدحم بالمثقفين والأدباء والشعراء والإعلاميين من كل الأجيال والتعبيرات، لقد استطاعت هذه "العوالم الافتراضية" أن تقترب كثيراً من طموحات وأحلام وتطلعات المثقفين الذين وجدوا فيها "واقعاً حقيقياً"، ليقدموا إبداعاتهم وإنجازاتهم الثقافية والفكرية بكل يسر وسهولة وانتشار. نعم، يواجه المثقف الإلكتروني الكثير من الإشكالات والتحديات، وتلك طبيعة كل التحوّلات والتفاعلات بين التيارات والتوجهات، ولكن المؤشرات والتوقعات كلها تُشير بأن المثقف الإلكتروني هو من سينجح في كسب الكثير من النجاحات والرهانات.