أواصل بمتعة قراءة كتاب «خلاصة الأيام»، كأنني في مهمة اكتشاف منطقة مجهولة، أجد بعض المفاتيح التي تعرفني أكثر على شخصية المؤلف، ومنها ما طرحه من آراء في مجلس الشورى، أو في الحوارات الصحفية.. نواصل الحديث عن كتاب "خلاصة الأيام" للدكتور فهاد الحمد، الذي يتضمن مسيرته الاجتماعية والمهنية، توقفت في المقال السابق عند بعض المواقف التي أرى فيها مؤشرات على التأسيس التربوي والتعليمي والاجتماعي في حياة المؤلف، وسوف أستمر في مقال اليوم بنفس المنهجية لتسليط الضوء على مواقف ذات دلالة في تكوين الشخصية بما تمثله من خبرات متراكمة وتجارب ذات تأثير في مسيرة الإنسان. لا شك في تأثير العمل المبكر في شخصية الإنسان، ومن الأعمال الكثيرة التي مارسها المؤلف، المشاركة في صيف عام 1394 في حملة إحصاء شاملة للسكان والمساكن على مستوى المملكة حيث كانت الحملة تستعين بالمدرسين، ثم اختاره المشرف ليكون محاضرا إلى جانب مدربين آخرين منتدبين من الرياض في الدورة التدريبية لتهيئة الفرق الميدانية للتعداد. من المواقف الإنسانية الجميلة ذات الدلالة الاجتماعية، يتذكر المؤلف من تلك الرحلة الموقف التالي: (في إحدى المرات تحركنا بالسيارة صوب تجمع لعدد من بيوت الشعر فتجاوزنا البيت الأول فلحقت بنا امرأة ووقفت أمام السيارة قائلة: أليس من العيب أن تتجاوزا بيتنا دون ضيافة؟، وأخبرتنا أن ذلك سيغضب صاحب البيت حتى وإن لم يكن موجودا، وتلبية لطلبها وإصرارها توقفنا ونزلنا في ضيافتها حيث عهدت إلى أحد جيرانها أن يتولى نيابة عنها وفي بيتها ذبح الخروف والبقاء معنا حتى نتناول الغداء. لا يمكن الحديث عن هذا الكتاب دون التطرق إلى الفترة التي قضاها المؤلف في معهد الإدارة العامة، انتقل المؤلف من مرحلة تدريس مادة التربية الفنية للعمل بقسم المحاسبة بإدارة التعليم بمنطقة الجوف، قادته هذه الخطوة إلى التعرف على معهد الإدارة العامة حين حضر دورة تدريبية في المعهد عن الأعمال المحاسبية، ثم قادته هذه التجربة إلى أن يكون بحث التخرج في الجامعة عن التدريب الإداري، أصبح المعهد هدفا للمؤلف؛ لأنه كما يصفه قلعة الإدارة على مستوى المملكة والمستوى الإقليمي ولديه ثقافة تنظيمية، وبيئة عمل إيجابية، المؤلف لم يجانب الحقيقة في وصف المعهد، ونضيف إليه أن بيئة المعهد بيئة تعلم وتدريب وتطوير ليس للمتدربين فقط، بل للموظفين والمدربين. تقدم المؤلف برغبته الانتقال للمعهد في لقاء مع المدير العام في تلك الفترة الدكتور محمد الطويل الذي رحب به، وصدر خطاب من المعهد لوزارة المعارف بطلب نقل خدماته إلى المعهد، الموافقة على هذا الطلب كانت ولادة عسيرة لكنها في نهاية المطاف تحققت لأن الدكتور فهاد من النوع الذي لا يستسلم، (راجع الصفحات 88، 89، 90). تحدث المؤلف عن تجربته في المعهد منذ بدأ كمساعد مدرب حتى وصل إلى نائب مدير عام المعهد للبحوث والمعلومات. في تلك الفترة التي بلغت ربع قرن تطرق إلى الإدارات التي عمل بها والمسؤوليات التي قام بها والإنجازات التي حققها، كما تطرق إلى فترة الدراسة في أميركا مبتعثا من المعهد حتى الحصول على الدكتوراة. يقول المؤلف عن مدير عام معهد الإدارة الدكتور محمد الطويل: (كان الدكتور الطويل ابن المعهد وأبرز رموزه بالنسبة لي ولجيلي من منسوبي المعهد، وقضى معظم حياته الوظيفية بالمعهد، وشارك ثم عزز وكرس ما غرسه الأستاذ فهد بن سعود الدغيثر مدير عام المعهد السابق الذي لم أعاصره - رحمه الله - من منظومة قيمية تقوم على الموضوعية والإخلاص والالتزام والكفاءة والإنتاجية حتى أصبح للمعهد ثقافة تنظيمية خاصة ينظر إليها بتقدير)، حيث إن كاتب هذه السطور كان من منسوبي المعهد فإني أتفق مع ما ذكره د. فهاد عن المعهد وعن الدكتور الطويل الذي عزز ورسخ الصورة الذهنية المتميزة للمعهد في المجتمع، استقطب الكفاءات، وفعل برنامج الابتعاث، واستثمر فريق العمل في التدريب والبحوث والاستشارات والندوات والمسؤوليات الإدارية. تلك الصورة الذهنية للمعهد بهرت الدكتور حمد السلوم - يرحمه الله - عندما عين مديرا عاما للمعهد، ما جعله يوجه الدعوات لمسؤولي الدولة لزيارة المعهد والتعرف عليه عن قرب، وكان يشيد بمديري المعهد السابقين الذين أوصلوا المعهد إلى ما وصل إليه من تطور. أواصل بمتعة قراءة كتاب "خلاصة الأيام" كأنني في مهمة اكتشاف منطقة مجهولة، أجد بعض المفاتيح التي تعرفني أكثر على شخصية المؤلف، ومنها ما طرحه من آراء في مجلس الشورى، أو في الحوارات الصحفية، أما المؤشرات القوية في التعرف عليه وعلى نمط حياته وأسلوبه التربوي فنجدها في المستويات العلمية والمهنية المتميزة التي وصل إليها أبناؤه وبناته (212، 213). الكتاب يتضمن تجربة المؤلف في مجلس الشورى وفي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، كما يتضمن أفكاراً إدارية واجتماعية، ما يشجع على استكمال القراءة والمناقشة بإذن الله.