اكتسبت بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية منزلة رفيعة في نفوس المسلمين بأن جعل فيها المولى - عزوجل - أول بيت وضع للناس، وأن جعلها قِبلة للمسلمين، ومنها ذاعت كلمة التوحيد، وخصها باستقبال ضيوف الرحمن ورعايتهم أمنياً وصحياً وذلك بالحرص على سلامتهم من الأمراض، وسلامة البيئة من حولهم. كما يقع على عاتق الدولة - أيدها الله - تقديم كافة الخدمات العامة، ورصد أكبر الإمكانات، وتقف مشروعات خادم الحرمين الشريفين في توسعة الحرمين الشريفين شاهدة على ما تقوم به المملكة العربية السعودية من أعمال جليلة في خدمة الإسلام والمسلمين، ومن أجل حجاج بيت الله الحرام الذين يؤدون مناسك فريضة الحج بكل طمأنينة وراحة، وفي جوّ يسوده الودّ والخشوع والطمأنينة، وفي أجواء إيمانية.. وكم يسعدنا مناظر الحجاج مكبرين مهللين مرتدين زياً موحداً لا فرق بينهم. نعم.. نسعد بأن نرى الجميع أخوة في الله يقفون على صعيد واحد يدعون ربهم في خشوع وخضوع، فالحج من أعظم أمور الدين، وعبادة عظيمة، وشعيرة جليلة.. قال الله تعالى: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب». وعلى أطهر البقاع المقدسة بمكةالمكرمة هناك العديد من المشاعر المقدسة، والجبال التي اكتسبت أهمية دينية وتاريخية ترتبط بمكةالمكرمة، والتي تضم حوالي «21» جبلاً، لكل منها قدسيته الخاصة.. ومنها جبل «الرحمة» الذي يعتبر واحداً من أشهر جبال مكةالمكرمة، والذي يتزين في هذا اليوم ويستعد باستقبال ضيوف الرحمن. كما يُعد من أشهر الأماكن في مشعر عرفات بعد مسجد نمرة، والذي يقف عليه الحجاج في هذا اليوم التاسع من شهر ذي الحجة مهللين مكبرين في خير يوم طلعت عليه الشمس وهو يوم عرفة، وذلك حرصاً منهم واستشعاراً بأهمية مثل هذه الأماكن الطاهرة من خلال تذكرهم السيرة النبوية الشريفة، والأحداث التاريخية.. تأسّياً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي صعد عليه داعياً ربه وألقى منه خطبة الوداع وقال: «وقَفْتُ ها هنا بعَرفةَ، وعرَفةُ كلُّها مَوقِفٌ» ويقع جبل «الرحمة» على بعد «20» كيلومترا شرق عرفات، وله أسماء عديدة منها: جبل القرين، وجبل الدعاء، وجبل إلال على وزن هلال، وجبل التوبة، وله مكانة خاصة في قلوب المسلمين نظراً لأهميته الدينية والتاريخية حيث تُقام عنده أَهم مناسك الحج، والتي تعرف ب «وقفة عرفة»، فيوم عرفة من أهم مناسك الحج كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة». وهو جبل مكون من حجارة صلدة ذات لون سوداء كبيرة الحجم، ويتميز بسطحه المستوي والواسع، ويصل طوله إلى «300» متر، ومحيطه «640» مترًا، وبوسط قمته شاخص طوله «7» أمتار ليميزه عن بقية الجبال. والإنسان المسلم يشعر عند زيارة مثل هذه الأماكن الدينية والتاريخية على هذه الأرض المباركة والطيّبة يشعر بسعادة إيمانية كبيرة لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال ولكن المشاعر تفيض كما يصف ذلك شِعراً الأستاذ ناصر بن مسفر الزهراني: ضجّت خدودي من لظى عبراتي لما وقّفتُ على ثرى عرفاتِ وتيبَّست شفتي وتاهت أحرفي وجلاً وكادت تنطفي كلماتِ لمّا ذكرتُ الموت في أهواله وذكرتُ هول النزع والسكراتِ وذكرتُ بالجمع الغفير مواقفاً أخرى بيوم الحشر والحسراتِ ومضى لهيب الخوف يحرق مهجتي والنفس تبكي سالف الغدراتِ فرفعت كفي والدموع كأنها سيلٌ تدفَّق من ذُرى السَّرواتِ يا ربِّ تبت إليك فاقبل توبتي وأجعل مكان السيء الحسناتِ فسمعت في عمق الضمير منادياً دَعْ ما مضى وقضى وقم للآتي وأعلم بأن الله أرحم.. أرحم وسيدمع الآحاد بالعشراتِ ختاماً.. من القصائد الخالدة التي كُتبت عن «عرفات» هذا المشعر الديني الذي يشع بالنور والإيمان، هذه القصيدة الشهيرة التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1910م، تهنئة للخديوي عباس حلمي الثاني بعد عودته من أداء فريضة الحج: إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ وَيَومَ تُوَلّى وُجهَةَ البَيتِ ناضِراً وَسيمَ مَجالي البِشرِ وَالقَسَماتِ عَلى كُلِّ أُفقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ تَزُفُّ تَحايا اللَهِ وَالبَرَكاتِ إِذا حُدِيَت عيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُم لِعيسِكَ في البَيداءِ خَيرُ حُداةِ لَدى البابِ جِبريلُ الأَمينُ بِراحِهِ رَسائِلُ رَحمانِيَّةُ النَفَحاتِ وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ بِكَعبَةِ قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ وَما سَكَبَ الميزابُ ماءً وَإِنَّما أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُناً مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي وَشانيكَ نيراناً مِنَ الجَمَراتِ يُحَيّيكَ طَهَ في مَضاجِعِ طُهرِهِ وَيَعلَمُ ما عالَجتَ مِن عَقَباتِ وَيُثني عَلَيكَ الراشِدونَ بِصالِحٍ وَرُبَّ ثَناءٍ مِن لِسانِ رُفاتِ لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ عَنَت لَكَ في التُربِ المُقَدَّسِ جَبهَةٌ يَدينُ لَها العاتي مِنَ الجَبَهاتِ مُنَوِّرَةٌ كَالبَدرِ شَمّاءُ كَالسُها وَتُخفَضُ في حَقٍّ وَعِندَ صَلاةِ وَيا رَبِّ لَو سََّرتَ ناقَةَ صالِحٍ لِعَبدِكَ ما كانَت مِنَ السَلِساتِ وَيا رَبِّ هَل سَيّارَةٌ أَو مَطارَةٌ فَيَدنو بَعيدُ البيدِ وَالفَلَواتِ وَيا رَبِّ هَل تُغني عَنِ العَبدِ حَجَّةٌ وَفي العُمرِ ما فيهِ مِنَ الهَفَواتِ..