لقد حل عيد الحج بعد أن وقف ضيوف الرحمن بعرفات وأصبحوا بحاجة لموضوعات خفيفة الظل.. ومن هنا نفتح مقالات في باب الشعر والشعراء. * * * اعتذر أمير الشعراء أحمد شوقي عن غيابه عن الركب المصري المتجه إلى الديار المقدسة لأداء حج بيت الله الحرام، ولا زال هذا الاعتذار أشبه باللغز، فهذا الشاعر العظيم ذو العاطفة الجياشة في كل ما يتعلق بالدين الحنيف لا يتصور نكوله عن قبول دعوة ملكية وجهها إليه خديوي مصر للقيام بالفريضة المقررة على كل مسلم ومسلمة مرة في العمر على الأقل، وقد توفرت شروط الاستطاعة للشاعر فهو محمول مشمول كما يعبر أهل اللغة العربية في هذا الصدد، الصحة، والمال، والزاد، والمركب، والراحلة، والنفقة.. فحق لنا أن نعجب ولا ينتهي عجبنا.. ولنا أن نبحث في شعره عن ملابسات هذه القضية عنده. قال رحمه الله : إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفات ويوم تولي وجهة البيت ناظرا وسيم مجالى البشر والقسمات على كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحايا الله والبركات وما سكب الميزاب ماء وإنما أفاض عليك الأجر والرحمات وزمزم تجري بين عينيك أعينا من الكوثر المعسول منفجرات ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي وشانيك نيرانا من الجمرات لك الدين يارب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساح والعرصات أرى الناس أصنافا ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت لديك، ولا الأقدار مختلفات عنت لك في الترب المقدس جبهة يدين لها العاتي من الجبهات منورة كالبدر، شماء كالسها وتخفض في حق، وعند صلاة ويا رب لو سخرت ناقة صالح لعبدك ما كانت من السلسات ويا رب هل سيارة أو مطارة فيدنو بعيد البيد والفلوات ويا رب هل تغني عن العبد حجة وفي العمر ما فيه من الهفوات وإني ولا من عليك بطاعة أجل وأغلي في الفروض زكاتي أبالغ فيها وهي عدل ورحمة ويتركها النساك في الخلوات وأنت ولي العفو، فامح بناصع من الصفح ما سودت من صفحاتي السطر الأخير: شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران: ذكر، وسنة فما بالهم في حالك الظلمات؟