عندما تكون في مجموعة وبيدك قطعة من ذهب أو فضة وتسأل أن يتوقعوا مقدار وزنها ثم يدلي الكل بدلوه فهذا يقول أظنها تزن كيلوغراماً والآخر يعتقد كيلوغراماً ونصف وذاك يرى أنه أقل وغيره أكثر وتدور الآراء والتوقعات.. ثم تقول لهم سأحضر ميزاناً لنرى كم وزن القطعة ثم تزنها وتجد ثقلها مختلفاً عما ذكروا جميعاً وتخبرهم بأن وزنها كذا وكذا.. ثم يوافق البعض على قراءة الميزان، ويعترض واحد أو اثنان مصرين على ظنهم حتى بوجود الميزان ويشككون في صلاحيته وقدرته على الوزن. هكذا بعض الموضوعات التي يتجادل فيها الكثير دون مرجعية ولا ميزان حقيقي ويترك الأمر للجدل الفارغ والرأي الهش انتصار للذات واتباعاً لهوى النفس.. فكثير من جدالاتنا ينقصها الاتفاق على مرجعية يقينية تبنى عليها التقديرات الصحيحة للمسائل والآراء لذا لا يمكن لنقاش أو جدل يثمر دون احتكام، أو معيار هدى، أو مسطرة قياس يقبل ويتفق عليها الجميع حينها سنتمكن من تقييم آرائنا ووزن أطروحاتنا فتكون لها قيمة مثرية وفاعلية. اليوم في كثير من جدلنا نصنع نزالات ومعارك ذاتية تطفو فيها الأنا على العقل، ويطغى العناد على الوعي، وتغطيها المعايير الخاطئة.. ويشعر البعض بكهرباء نافضة ليبقي رأيه صامداً ورابحاً في ذاك النزال. ولكن قد يُطرح سؤال: هل يجهل الناس ذلك عندما يتجادلون؟ هل لديهم رغبة صادقة في طرح المعقول؟ وهل هم مستعدون للتنازل عن آرائهم المائلة؟ وهل نقول الحق دوماً أم نعرفه ونتقول غيره؟ وهل عندما نتجادل نريد التنور ومعرفة الحقيقة وفهم الحدث والواقع؟ ويبقى السؤال الأكبر هل نحن مضطرون لخوض نزالات الجدل دوماً، ولماذا ندمن قول الرأي في كل أمر؟ تلك تساؤلات تكشف لنا دقائق الأمور في حالات الجدل بيننا. مؤكد أن النقاش وتبادل الرأي والجدل الموزون مفاتيح للمعرفة، ومفيدة للوصول إلى مناطق الضوء، والوقوف على حقائق غائبة عنا، ووسائل لمعرفة كيف يفخر الآخر وكيف نفهمه.. ومؤكد أن التنظير حول مسألة الجدل سهل ولكن التطبيق قد يواجه المرء فيه بعض الصعوبات لسبب بسيط وهو أن صناعة مساحة للنزال توقظ الأنا أكثر من العقل، وتسكن الوعي فنضع أنفسنا في حالة تحدٍ لاشعورية حتى لو رددنا صوتياً غير ذلك. ويبقى القول: عندما نجيب عن الأسئلة السابقة بحق يمكن أن نقيّم واقعنا الجدلي، ويمكننا مراجعة الذات.. من هنا ننطلق في بناء عقلي وتأسيس ذاتي يعيدنا إلى الحكمة والرشد عند رغبتنا في خوض جدال أو نقاش قضية.. فنعرف حينها متى ننصرف عن ذاك الجدل الذي بلا مسطرة احتكام ومتى نواصل نقاشنا لتغذية كوامننا.. ونعي التوقيت والأسلوب المناسبين للحوار والنقاش مع الغير ونتفهم نوعية الموضوع الجدلي المطروح هل توجد معايير تنصف وتدعم طرح كل طرف أو ترفضه أو حجج نرجع إليها عند الاختلاف أم نواصل الثرثرة.. ولندرك تماماً كما قال الأوزاعي "من كثر جدله قل عمله" فهل أنتم معي أم لكم رأي آخر.