يقول الطبيب النمساوي المجري هانز سالي "ليست الضغوط هي التي تهلكنا، بل هي ردة فعلنا تجاهها"، فالضّغوط هي مجموعةٌ من الأحداث والمواقف والأزمات التي يتعرّض لها الإنسان في حياته اليوميّة في المنزل والعمل والشّارع، وتتراكم فوق بعضها البعض لتسبّب حالةً من الانفجار والانهيار العصبي والتّوتّر والسّلوكيّات الخاطئة أو العنيفة، وقد تتطوّر إلى أبعد من ذلك فتؤدّي إلى الانحراف أو الإجرام أو الإدمان أو الاكتئاب الكليّ المزمن. وهناك شكلان للضغوط أحدهما الضّغوط الدّاخليّة: وهي الصراع بين العقل والعاطفة، أو الطّموح والإرادة مع عجز الإمكانات والخوف من الفشل والتّهميش والإحباط، والأخرى هي الضّغوط الخارجيّة: وتشمل ضغط الأُسرة، ويكون نتيجة التقيّد بما تريده العائلة سواءً في السّلوك أو التّعليم أو الزِّيّ أو الزّواج وغير ذلك، وضغط التّقاليد والتي تُلزم الإنسان بالتّصرّف وفقها سواء أكانت صائبة أم خاطئة، وضغط الأصدقاء ووجوب التّصرّف وِفق ما تمليه الصّداقة سواء أكان ذلك صائباً أم لا، أيضاً المجاراة بين الأصدقاء في كلّ سلوكٍ وتصرّفٍ، وبالطبع ضغط العمل من خلال الاضطهاد الوظيفيّ وكثرة الأعمال المُلقاة على عاتق الموظّف، إضافةً إلى التّهميش وعدم التّقدير، وهناك أساليب لمواجهة الضّغوط النّفسيّة مثل تحديد مصادر وأسباب الضّغط النّفسيّ، بالإضافة إلى الأشخاص الذين قد يتسبّبون لك في هذا الضّغط والتّوتّر، وتنظيم الوقت وأسلوب الحياة، لأنّ الضغط أحياناً يكون ناتجاً عن تراكم العمل وعدم إنجازه بسبب إدارة الوقت السيّئة، ومنها التّحلّي بالتّسامح والعفو والصّبر والحِلم، فكلّها تؤدّي إلى التّعايش مع الآخرين دون أنْ يتأثّر الإنسان بما يفعلونه تجاهه، وكسر الرّوتين اليوميّ وتجديد نمط الحياة من فترةٍ إلى أخرى كتغيير ديكور المنزل أو المكتب، أو تغيير الطّريق الذي تسلكه للوصول إلى العمل أو الجامعة، وكذلك تغيير وسيلة المواصلات والحرص على تكوين العلاقات مع الأشخاص في كلّ محيطٍ توجد فيه، وتبادل الأحاديث الإيجابيّة، والبعد عن الأشخاص السّلبيّين والمتشائمين، والمشي اليومي وممارسة الرّياضة والسّباحة، فهي أمور تعمل على تخفيف حدّة الغضب والضّغط والانفعال و الاسترخاء بعيداً عن الضّوضاء والإزعاج، والاستماع إلى الموسيقى الهادئة، أو ممارسة اليوغا والتّأمّل في الطّبيعة والكون، والتّعبير عمّا يجول بداخلك من مشاعر حبٍّ أو كُرهٍ أو غضبٍ أو غيرها إلى صديقٍ مقرّبٍ، أو تعبيرٌ كتابيّ أو شفهيّ تخاطب به نفسك، والإكثار من الذِّكر والصّلاة والتّقرّب إلى اللّه سبحانه وتعالى بالدّعاء والاستعاذة به من الهمّ والغمّ كلّ صباحٍ ومساءٍ. وتعزيز الرّوابط الأُسريّة والاجتماعيّة، والجلوس مع الأسرة فتراتٍ أطول، بالإضافة إلى الخروج بصحبتهم، وممارسة هوايةٍ محبّبةٍ إلى النّفس والمداومة على ممارستها كالرّسم والكتابة والعزف والطّبخ وغيرها، والبحث عن الأصدقاء القُدامى الذين تربط الإنسان بهم ذكريات جميلة في المدرسة أو الجامعة، والإرادة القويّة والعزيمة الصّلبة والإيمان الحقيقي بالله، كان هناك محاضر يُلقي محاضرة للطلاب عن التحكم بمشكلات وضغوطات الحياة، فقام برفع كأس من الماء وسأل الحاضرين ما اعتقادكم بوزن هذه الكأس من الماء؟ فأجاب الحاضرون وكانت إجاباتهم تتراوح بين 50 جم إلى 100 جم، فكانت إجابة المحاضر: لا يهم بشيء الوزن المطلق لهذا الكأس من الماء، إنّما الوزن الحقيقي يعتمد على المدة الحقيقة التي أظلّ ممسكاً بهذه الكأس، فلو حملتها مدّة دقيقة أو دقيقتين ما حدث أيّ شيء، ولو قمت بحملها مدّة ساعة شعرْتُ بألم في يدي، ولو قمت بحملها مدّة يوم استدعيت سيارة إسعاف لكي تحملني، الكأس لها نفس الوزن تماماً ولكن كلّما طالت مدة حملي لهذه الكأس زاد وزنها. ولو طبقنا الكأس على حياتنا اليومية للاحظنا أنّه إذا حملنا مشكلاتنا والأعباء التي تحدث لنا في حياتنا في جميع الأوقات فسوف يأتي اليوم الذي لا نستطيع فيه المواصلة، فالأعباء سوف تزداد ثقلاً، والذي يجب علينا فعله هو أن نضع الكأس ونرتاح قليلاً قبل أن يأتي يوم ويجب علينا رفعها مرة أخرى، لذلك يجب علينا أن نضع أعباءنا بين الحين والآخر لكي نتمكن من إعادة النشاط والحيوية ومواصلة حملها مرة أخرى، فعندما تعود إلى منزلك يجب عليك ترك أعباء ومشكلات العمل ولا تأخذها معك إلى منزلك لكي تتمكن من المواصلة، لأنّها سوف تكون بانتظارك غداً، حتى تكون قادراً على حملها، وكذلك عندما تعود من الجامعة فاجعل كلّ مشكلة تعرضت لها في مكانها ولا تنقلها معك إلى أيّ مكان لكي تتمكّن من حملها وحلّها مرة أخرى. * دكتوراه العلوم البيولوجية - المدرب المعتمد للتنمية البشرية