ومضة: كم تتوقع وزن الكأس؟ في يوم من الأيام، كان محاضر يُلقي على طلابه محاضرة عن التحكم في ضغوط وأعباء الحياة؛ فرفع كأساً من الماء، وسأل المستمعين: كم هو في اعتقادكم وزن هذه الكأس من الماء؟ تراوحت الإجابات بين 50 و500 جم فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن مطلقاً لهذه الكأس؛ فالوزن يعتمد على المدة التي أظل فيها حاملاً هذه الكأس؛ فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء، ولو حملته لمدة ساعة سأشعر بألم في يدي، ولكن لو حملته لمدة يوم فستستدعون سيارة الإسعاف.. فكلما طالت مدة حملي الكأس زاد وزنه.. رغم أن وزنه ثابتاً تماماً.. وهكذا هي مشاكلنا وأعباء حياتنا، لو جمعناها وحملناها في كل الأوقات سيزيد عبؤها علينا، وسيأتي اليوم الذي لن نستطيع فيه المواصلة.. فما يجب علينا أن نفعله هو أن نضع الكأس ونرتاح قليلاً قبل أن نرفعها مرة أخرى.. كما يجب علينا أن نضع أعباءنا بين الحين والآخر؛ لنتمكن من إعادة النشاط ومواصلة حملها.. فعندما تعود من العمل مثلاً يجب أن تضع مشاكل العمل، ولا تأخذها معك إلى البيت؛ حتى تستطيع حملها في الغد؛ لأنها - وبكل بساطة - ستكون بانتظارك.. كعادتي، استيقظت باكراً، وأعددت فنجان قهوتي الصباحية. أدرتُ المذياع على صوت فيروز، وكانت تغني (يا عاقد الحاجبين على الجبين اللجين.. إن كنت تقصد قتلي.. فقد قتلتني مرتين). حاولتُ أن أستمتع بالصباح الباكر والقهوة وفيروز، لكن دون جدوى؛ فقد كان مزاجي قاتماً معتماً، وكان الملل والضجر يخيم على جنباتي؛ فاليوم كالبارحة كالغد، لا شيء يتغير.. وأنا مللت تكرار الأيام.. تباً للملل ولقدرته العجيبة على غزو حياتنا وتعكير مزاجنا دون أن يجد مقاومة منا.. كما يندُر أن تسأل شخصاً عن حاله ولا تكون إجابته: الحمد لله، لكن الحياة أصبحت مملة.. ساءلت نفسي كثيراً: ما الحل الأمثل للقضاء على آفة العصر، المسماة بالملل؟.. هل الملل طبيعة جُبل عليها كل بني البشر.. وهل ضريبة روتينية الحياة واستقرارها هو شعورنا بالملل؟.. وهل الملل ظاهرة تتكرر بين فينة وأخرى؟ إن كانت الإجابة بنعم فما هي سرعة التكرار؟ وهل الملل هو أقصر طريق للشيخوخة؟ وهل للملل علاج؟ وإن كان فما هو؟ وهل هو فعّال؟ أسئلة.. وأسئلة.. ولا إجابات شافية.. زفرتُ بضجر. وضعتُ قهوتي جانباً. فكرتُ لأقل من دقيقة بميزانيتي ووضعي المالي، وقررت أن أسافر لبضعة أيام؛ علَّها تكون كفيلة بتغيير هذا المزاج العاتم.. زفرتُ مرة أخرى. ابتسمت بركن فمي، وقلت: تباً للملل مرضنا المزمن؛ فيبدو أن الكثير من خياراتنا مبعثها الملل، والرغبة في إنهاء وضع ما بأية طريقة.. - الرياض