أشرنا في الحديث السابق إلى اهتمام الأطباء، وحرصهم على المتقاعدين، ونشير أيضاً إلى أن علماء الاجتماع، وعلماء النفس قد حرصوا على المشاركة في الدراسة وطرح الآراء.. ولذا فقد تأسست في بلاد الغرب جمعيات لتهيئة الناس: ذكوراً وإناثاً لقبول التقاعد والمتقاعدين وبذل الجهد في دراسة كل ما يعترضهم، ومعاونتهم في ايجاد العمل المناسب، كما هي الحال في اليابان، وبأجور أقل من غيرهم، وارشادهم إلى قضاء ما عندهم من فراغ، في كل أوقاتهم، حتى لا يتسرب اليهم الملل، أو تدب إليهم الكآبة، التي هي أسوأ ما يمر بكبير السن، حيث تجعله الكآبة في عالم آخر، تجعله يضيق بنفسه، ويضجر ممن حوله. هذه الجمعيات، التي رأيت وزرت نماذج منها في مدينة سدني باستراليا وغيرها كما سوف نمر بها فيما بعد سريعاً.. نقول: إن هذه الجمعيات ترشد المتقاعد لأمور عديدة، بواسطة بعض المحنكين، في حل ما كان يعترضه من مشكلات صحية واجتماعية ومالية ونفسية. وتوجهه إلى بعض الأمور المناسبة المعينة حسب عمره وقدراته، فإن كان صحيح الجسم فبالرياضة والمشي والسباحة، وان كان مريضاً فبالعمل اليدوي والقراءة، والاستماع لوسائل الإعلام والأشرطة وغير ذلك. ومن أجل أن يعتني المتقاعد بصحته: علاجاً أو وقاية.. وحتى يرتاح بهذا التقاعد من عناء سنوات العمل.. ولذا فعليه أن يتذكر الوظيفة، وما مر به خلالها من أمور تخدش الكرامة، والذل وهو يستجدي رؤساءه لكي يمنحوه درجة أرفع من درجته الوظيفية وهو يستحقها، وقد تصرف عنه لمن هو أقل منه كفاءة، ومواظبة على العمل، لا لشيء إلا أنه يتملق صاحب الصلاحية، أو يقضي له مصالحه في ساعات العمل، وبواسطة سيارات العمل !! وعليه أن يتذكر متاعب الوظيفة، وما فيها من قيل وقال، وغيبة ونميمة، حتى لو ترك الناس فإنهم لا يتركونه، ثم إن عليه أن يراجع نفسه، في ساعة خلو وصراحة، هل كان يؤدي حق هذه الوظيفة: محافظة على الوقت، واهتماماً بقضاء مصالح المراجعين، وانصافاً في اعطاء كل ذي حق حقه، وأمانة في العمل، واهتماماً بانجازه، حتي يكون مكسبه حلالاً، ويطعم ولده من هذا الحلال، أم هو غير ذلك، فيحجب دعاؤه عن ربه، كما جاء في حديث الأشعث الأغبر الذي يمد يديه إلى السماء داعياً ومتضرعاً، حيث قال عنه صلى الله عليه وسلم: «فأنى يستجاب له»، وهذا من محاسبة النفس قبل أن تحاسب، ووزنها قبل أن توزن. فإن كان في الحالة الأولى: فإنه لابد له من راحة، وان عليه من أجل صحته الجسمية، والمحافظة على عقله ومؤثراته النفسية أن يبدل المنظر اليومي، والعمل الرتيب، ولعله قد يفكر في الناحية المالية، فإن راتبه التقاعدي حسب مدته في الخدمة، قد يكفيه، أما اذا لم يكن كافياً لمتطلباته، فان في البحث عن عمل مناسب شريف، غير مكترث بكلام الناس ونظراتهم لبعض الأعمال عوضاً فإذا هو قد شغل وقته، وملأ جيبه، واطمأنت نفسه. أما في الحالة الثانية: فإن وخز الضمير، والإحساس بالتقصير، مدعاة لأن يتحرك الإحساس الباطني في قلبه، لكي ينصح نفسه بالتدارك مع الله توبة وعملاً، ومحاسبة لهذه عن التقصير، لتدارك بقية العمر، ونصحاً للآخرين لكي لا يقعوا فيما حصل منه، وأن يكثر من أعمال الخير والإحسان، لأن من تكفير الخطيئة الاكثار من العمل، لأن اتباع السيئة الحسنة تمحها «إن الحسنات يذهبن السيئات» )هود 118(. إن من التكفير عن الإساءة السابقة عندما كان المتقاعد موظفاً يصول ويجول، مع الله أولاً بالتوبة والندم على ما سبق من التقصير، ومع الناس استرضاء من أساء إليه، والذب عمن قدح فيه، أو نمّه أو اغتابه، في المكان أو عند من أساء بحضرته حتى يجلو صدأ الماضي، والإساءة في سالف الأيام، بما يغير ما في الأذهان بتذكر المحاسن، أو استرضاء الشخص، ورد اعتباره نفسياً أو مالياً، حتى تتصافى النفوس، وتتقارب القلوب.. فما أحسن أن يملأ المتقاعد جزءاً من وقته في محاسبة النفس عما بدر منها، تقصيراً في حق أمر الله، حتى يتدارك المرء الأمر قبل فوات الأوان، وفي حق الآخرين لاعادة الحقوق لأهلها، مالاً أو عرضاً، أو لذويهم إن كانوا قد سبقوه للدار الآخرة، والدعاء لهم مع الندم عما بدر منه تجاههم، لعل ما يصلهم من أجر بذلك، مع النية الخالصة يكافئ ما نالهم من اساءة، والله يقبل التوبة من عباده، ويجازي بالإحسان. وما أجمل اذا كانت يده ندية، ووسع الله في الرزق، أن يتبع احسان اللسان بالبذل في عمل الخير، لمن يستحق البذل، احساناً ومعاونة.. والإكثار من صدقة الجاه التي منحه الله بمنصبه الوظيفي، وخاصة في السنوات الأولى من التقاعد، قبل أن يعفو أثره، ويبدأ رفقاء السرور والمنافع، ينفضون عنه يوماً بعد يوم. إن الأعمال الطيبة والسعي في مصالح الآخرين، قد حث عليها الإسلام، ودعا اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ترغيباً ومسارعة ووعداً بالجزاء العادل.. وخاصة عندما يبذر الخير لمن هم في حاجة إليه، حيث تجد المكان المناسب. ومع ذلك يجد المرء في نفسه راحة، وفي قلبه اطمئناناً.. ولا ينسى نصيبه من الدنيا، بان يعمل في مصالح بيته، وأهله وقضاء المصالح اليومية بنفسه، كأن يصلح ما دب اليه الخراب في بيته، في الأشياء الخفيفة، والمساعدة في ترتيب البيت، والحديقة ان كان لديه مزروعات وغير ذلك.. وامتهان أي هواية من الهوايات كالرياضة الملائمة مع سن عمره، والقراءة المفيدة، والانبساط مع أهله وولده، ومن له بهم صلة قرابة ورحم. فقد ثبت بالدراسات الطبية والعلمية: ان الشيوخ الذين يمارسون الرياضة المناسبة لهم: يهبط عندهم السكر ويخف ارتفاع الضغط، ويقل نبض القلب باعتدال مناسب، وتقل كمية الكولسترول في الدم، الذي ينشأ عادة من كثرة الأكل، وقلة الحركة.. وان الانعزال، والانفراد بعد التقاعد، لمما يورث أموراً في مقدمتها الوساوس والكآبة، وهاتان آفتان يحدث بسببهما كراهة الناس، والانطواء وعدم الشهية للطعام والشراب، ومعلوم ان الشيء المحسوس في حياتنا كالسيارات والمركبات وغيرها، اذا قل وقودها، توقفت عن الحركة، واذا لم تعمل فترة تأكسدت متحركاتها. واحتاجت إلى صيانة ونظافة. فاحرص أيها المتقاعد على عدم الانفراد، حتى لا تفتح باب الهواجس النفسية، والوساوس الشيطانية على نفسك وذلك بأن تكون اجتماعياً، واتخذ من جيرانك في المسجد أصدقاء، حيث تجمعكم طاعة الله خمس مرات يومياً، لتبادل الأحاديث الودية، والحديث العابر، وانتِم إلى احدى الجمعيات التي تمدها بما لديك من خبرة، وتقدم فيها ما سبق لك من تجارب، لتفيد وتستفيد. واحضر المحاضرات والندوات، حيثما أقيمت الصباح أو المساء، وشارك وناقش لتخرج ما عندك، بما لدى الآخرين، فتجد لذة بهذه المشاركات، وتشعر بأنك ضمن الجماعة، ممتزج بهم فكراً وعطاء، ولست وحيداً كما يوحيه التقاعد، لمن عنده قنوط ويأس. إن الامتزاج بالمجتمع، والتفاعل مع مجريات الأمور فيه، يخفف كثيراً من المتاعب النفسية، والشعور بأن هذا التقاعد، جلب للنفس قنوطاً من المشاركات الاجتماعية، أو جلب حزناً يشعر صاحبه، بأنه لا قيمة له في المجتمع، ولا فائدة ترتجى، وأنه قد لفظته الوظيفة كما تلفظ النواة بعد مصها، وما ذلك إلا أن تلك المشاركات تبعث في الجسم نشاطاً، وفي الفكر تجديداً، ترتاح معه الأعصاب، مما يكون فيه بإذن الله وقاية من الأمراض الجسمية. وإذا كنت في مجتمع صغير، أو لم تجد جمعية تشارك فيها، ولا مجال للندوات والمحاضرات المتنوعة، فاختلط بالناس، في أسواقهم وأعمالهم، واكثر الزيارات، وافتح بيتك في أوقات ثابتة، حتى يُعرَف فيأتون اليك للزيارة وتبادل الأحاديث، وحدد مع زوارك يوماً في الأسبوع تروحون عن أنفسكم، بزيارة صديق في قرية مجاورة، ومريض أو كبير في سنه، لأنه يفرح بتلك الزيارة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من حق المسلم على المسلم، وهذا من توقير الكبير. يقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يوماً لجلسائه: ما هو الشيء الذي لا تمله، كلما طال بك العمر، وكلما تكرر معك؟.. فطرحوا أموراً لها لذة ومذاق، هي من متع الحياة، ومعاوية يقول: ليس هو هذا.. فلما أيسوا قالوا: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الماء على الظمأ فانه لا يغني عنه لبن ولا شراب آخر، فلذته على الظمأ تتجدد.. ومحادثة الرجال.. وهذا ما يحسه المتقاعد مع جلسائه عندما ينظم أوقاته.. اذ بحكايات الأيام السابقة، واستحضار بعض المواقف يجد المرء متعة، ويرجع بالذكريات مع الأيام، إلى أمور محببة، تجلب الأُنس وتزيل الهم. ولذلك يقال في المثل: الإنسان ضعيف بنفسه، قوي بالله، ثم باخوانه.. ولا يجد المتقاعد اذا جلس وحيداً منعزلاً: من يشاركه الهموم، أو يحمل عنه أعباء ما حوله، اذا اختلفت النشأة، وتغيرت مواطن الذكريات. إن الأوقات التي يلتقي فيها المرء باخوانه، يشعر بلذة كلذة الطعام والشراب، حيث هما غذاء جسدي، أما محادثة الإخوان، الذين تأنس بهم القلوب، وترتاح لأحاديثهم الآذان، فان هذا غذاء روحي، ينعش القلب، ويريح الأعصاب، لا سيما اذا كان المجلس لا منغصات فيه، ولا أذية للآخرين: حضوراً أو غياباً: بالغيبة والنميمة، والأذى والبهتان.. وعرف المتقاعد كيف يصطفي الإخوان، وكيف يدير الحديث ما فيه حسن التصرف، وعدم الاضرار بأحد.. بل سعى في الخير، وتلمس للمداخل النافعة للآخرين كما يقول الإمام الشافعي: الناس بالناس ما دام الحياة بهم والسعد لا شك تارات وهبات وأفضل الناس، بين الورى رجل تقضى على يده للناس حاجات لا تمنعن يد المعروف عن أحد ما دمت مقتدراً فالسعد تارات واشكر فضائل صنع الله اذ جعلت اليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات ولما كنت وعدت القارئ الكريم، بافادته عما لا حظت في سدني باستراليا، من عمل قام به العرب هناك للمتقاعدين، مع اختلاف دياناتهم، واتجاهاتهم.. فقد أوجدوا نادياً باشتراك لمن يرغب الحضور، مكوناً من مبنى فيه مكتبة، ترد اليه الصحف العربية التي تصدرها الجالية العربية هناك، مع ما يتهيأ من صحف ترد من الدول العربية عن طريق السفارات.. وفي المكتبة مجموعة من الكتب.. وهذا مخصص لراغبي القراءة.. وقسم للجلوس لتبادل الأحاديث وتناول المرطبات والشاي، حيث يوجد مقصف يديره أحدهم تبرعاً بالتناوب، ودخله يعود على هذا النادي، ويقدم المقصف أكلات خفيفة. وقسم لمن يريد مشاهدة التلفزيون، أو سماع بعض الاذاعات، وأقسام للتسلية والتمارين الرياضية، وبعض الألعاب الرياضية المفيدة للجسم، أو للتسلية الوقتية في بعض الألعاب اليدوية.. وللنادي سيارة أتوبيس متوسط الحجم تمر في الصباح على من لا يستطيع القيادة لمرضه أو لعاهة فيه أو غير ذلك، وتعيدهم بعد الظهر لمنازلهم، وتأتي بهم بعد العصر، وتعيدهم في المساء كما يوجد بهذا النادي عربات لذوي العاهات.. تؤدي عملها لكل من يحتاج، وتحسباً لحدوث أمر مفاجئ حتى ينقل بها المحتاج وفي سيارة النادي لأقرب مستشفى باعتبار كبار السن معرضين للطوارئ. أوجدت صيدلية اسعاف للأمر العاجل. كما تعاقد النادي، مع أطباء للعمل في عيادة النادي، التي بجوارها صيدلية لافادة اعضاء النادي ومن يحتاج من غيرهم، والدخل لصالح النادي، وأعضاء النادي لهم خصم على الأدوية، والعلاج بالعيادة مجاناً. يفرح القائمون على هذا النادي بكل وافد من الدول العربية، ودعوته للقاء برواده والاجابة على تساؤلاتهم خاصة الدينية منها.. والقاء محاضرات عندهم. ولذا يلمس المرء فيه الحيوية والنشاط، وتجد المعلومات والأخبار عن البلاد العربية، وعن المسنين في هذه البلاد البعيدة، وقصص حياتهم منذ هاجروا إليها، وما مر بهم من مواقف، بحيث يستفيد منهم الوافد عليهم، ويستفيدون منه في توسيع المدارك وتجديد المعلومات. واذا عدنا الى ما يجب على المتقاعد المسلم أن يتميز به، زيادة عما ذكرنا من الأمور العامة، فان التقاعد بالنسبة له ليس خمولاً ولا نوماً، ولا متاعب وحسرات، ولكنه غذاء روحي، يتلهف اليه الذهن الصافي، منذ حلوله، ليجعل فيه تنظيماً لمنهج جديد، أنفع من السابق، هو المعاد الأخروي، وتعمير المسكن الدائم. وما ذلك إلا أن الإنسان يسير في هذه الحياة، في خطين متوازيين، بينهما التقاء وافتراق، والخطان هما: السعي لاعمار الدنيا والجهد فيها، والثاني السعي للآخرة، وحث الخطى إليها. فخط الدنيا عرفناه، واقتربت نهايته بالتقاعد، وخط الآخرة يمتد مسيرة أكثر، بحيث يجب على الحريص في النجاح فيه، أن يتخذ من التقاعد جهداً جديداً، وتنظيماً مستقيماً.. لأن من رغب في النتيجة، لابد أن يدلج السير، ومن أدلج وحث الخطى نحو هدفه، فاز بما تمنى.. لقد سمع علي بن أبي طالب رجلاً يقول: بئست الدنيا، وبئس طالبها، وقال له: لا تقل هكذا.. بل نعمت الدنيا، ونعم الصالح فيها، فهي مزرعة الآخرة. ولذا فان المتقاعد يجب عليه أن يحرص، بزيادة رصيده الأخروي، وذلك بأن يكون لسانه رطباً من ذكر الله، وألا يقول الا خيراً أو يصمت.. ويكثر من صلاة النافلة، مع المحافظة على الفرائض في أوقاتها، وأن يخصص وقتاً في يومه لقراءة ما تيسر من القرآن، أو سماعه من المذياع أو الشريط.. وأن يكون مثالياً في سلوكه وحديثه، لأنه يدرك ان كل شيء مرصود عليه، فان للعبادة لذة، لا يحس بها الا من انصهر فيها، وداوم عليها، وخاصة الصلاة والدعاء في هدأة الليل، وغفلة الناس، ان الحرص على ذلك مع زيادة المعروف بمداخله لما ينطبق عليه قول إبراهيم بن الأدهم في لذة العبادة: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة وطمأنينة، لجالدونا عليه بالسيوف. الاختلاف في قبر علي ذكر ابن كثير في تاريخه ان علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يدخل المسجد كل ليلة فيصلي فيه، فلما كانت الليلة التي قتل فيها صباحاً، قلق تلك الليلة، وجمع أهله، فلما خرج إلى المسجد، صرخ الأوز في وجهه، فسكتوهن عنه، فقال: ذروهن فانهن نوائح، فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم.. فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ألا نقتل مراداً كلها؟ فقال: لا ولكن احبسوه واحسنوا اساره، فان مت فاقتلوه، وان عشت فالجروح قصاص، وجعلت أم كلثوم بنت علي تقول: ما لي ولصلاة الغداة، فقتل زوجي عمر أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي أمير المومنين صلاة الغداة، رضي الله عنهما. وقيل لعلي: ألا تستخلف؟ فقال: لا ولكن اترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا اعتراف منه في آخر وقت الدنيا، بفضل الصديق.. وقد ثبت عنه بالتواتر انه خطب بالكوفة في أيام خلافته، ودار امارته، فقال: أيها الناس، ان خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر ولو شئت ان أسمي الثالث لسميت، وعنه انه قال: وهو نازل من المنبر: ثم عثمان ثم عثمان. ولما مات علي ولى غسله ودفنه أهله، وصلى عليه ابنه الحسن وكبر أربعاً، وقيل أكثر من ذلك، ودفن علي بدار الخلافة بالكوفة، وقيل اتجاه الجامع من القبلة، في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة، بحذاء باب الوراقين، وقيل بظاهر الكوفة، وقيل بالكناسة، وقيل دفن بالبرية. وقال شريك القاضي وأبو نعيم الفضل بن دكين: نقله الحسن بن علي بعد صلحه مع معاوية، من الكوفة فدفنه بالمدينة بالبقيع، الى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عيسى بن دآب: بل لما تحملوا به، حملوه في صندوق على بعير، فلما مروا به ببلاد طيء، أضلوا ذلك البعير، فأخذته طيء، تحسب به مالاً، فلما وجدوا بالصندوق ميتاً دفنوه ببلادهم، فلا يعرف قبره إلى الآن. والمشهور ان قبره الى الآن بالكوفة، كما ذكر بذلك عبد الملك بن عمران. وقال جرير عن مغيرة قال: لما جاء نعي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى معاوية بن أبي سفيان، وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرطة، في يوم صائف جلس وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وجعل يبكي، فقالت له امرأته فاختة أنت بالأمس تطعن عليه، واليوم تبكي عليه، فقال: ويحك إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله، وسوابقه وخبره.. وذكر خبر القط الأسود الذي جاء بخبر مقتله في نفس الليلة «البداية والنهاية 8:1819»