قبل سنوات طويلة وقت عملي في اليابان، عاصرت مديراً عاشقاً للأضواء والإعلام ولا يقبل وجود أي شخص أو اسم إلى جواره. دعاه ذلك الأمر إلى إلغاء أسماء المديرين السابقين من موقع المنظمة وإصداراتها وصياغة وتصميم التقارير كما لو أنه قام وأنجز كل شيء وحده، واستقر الحال كذلك لعدة أشهر حتى حصلت زيارة للمدير العام والذي كان يعرف فريق العمل والمديرين السابقين، وانصدم وهو يرى المدير الجديد يتحدث بكل زهو عن الإنجازات على مدى عقود بينما لم تتجاوز مدة عمله الأشهر المعدودة.. فما كان من المدير العام إلا أن وبخه مؤكداً أنه ينزعج عندما يقرأ تلك التقارير التي يتكرر فيها اسم المدير الجديد وصوره من مختلف الزوايا في تجاهل للإدارات السابقة وفريق عمله تماماً.. مقالة اليوم تحاول الإجابة عن السؤال: ما مهمة القائد؟ إن كان المثال أعلاه يقدم نموذجاً سيئاً للفهم الخاطئ لمعنى القيادة على أنها تمثل السلطة والجبروت والظهور الإعلامي المبالغ فيه مع تهميش الآخرين فهذا لا ينفي للأسف أن هذه الحالات ليست بالقليلة حول العالم. أسوأ ما يترتب على هذه النوعية من القيادة هو فقدان الحماس لدى الموظفين المخلصين والمبدعين لأن الجميع سيصل لقناعة أنه مهما عمل وتعب وأنجز فلن يعرف أحد عن كل ما قدمه، وسيقوم ذلك المدير بقطف الثمرة وحده.. والأدهى والأمر عندما تشعر تلك النوعية من المديرين الفاشلين بالخوف والقلق على مناصبها فتبدأ بتلفيق التقارير الكاذبة المغلوطة والشكاوى الكيدية للإطاحة بكل موظف مميز يمكن أن يسرق الأضواء أو يترقى مستقبلاً. ويتطور الأمر ليصبح حرب تحزبات، بحيث يتقرب الموظفون المنافقون من المدير الفاشل عبر إيذاء الموظفين الناجحين وترصد زلاتهم ومحاولة الإيقاع بهم وتحريض بقية الموظفين عليهم. ولا يمكن أن ترتجي من الموظف أن يبدع وينجز في بيئة عمل مسمومة مثل هذه وهو ينظر خلفه كل لحظة خشية أن يقوم مدير حاقد بطعنه غدراً في ظهره. حسنا، إذا كانت كل هذه الأمور تعبر عن ممارسات فاشلة للقيادة، فما مهمة القائد؟ يجيب السيد تويودا أكيؤو بقوله: "مهمة القائد هي اتخاذ القرار وتحمل المسؤوليات المترتبة على ذلك!". بكلمة أخرى، الموظف يحتاج ذلك القائد القادر على حل المشكلات التي تواجهه والتفكير بالرؤية ومستقبل المنظمة لسنوات وربما عقود قادمة. وذلك يقتضي أن يكون القائد شخصاً اكتسب ثقة من حوله ولديه المصداقية والمؤهلات والقدرة على الاستماع للآراء والاطلاع والتحليل لاتخاذ أفضل القرارات. وفي الوقت نفسه، يحتاج الموظف إلى قائد شجاع يحترم كلمته ومستعد لتحمل مسؤولية قراراته والدفاع عن المنظمة والموظفين وليس جباناً يلقي بالمسؤولية على الآخرين ويهرب من أي مواجهة. وأختم بكلمات السيد تويودا أكيؤو رئيس شركة تويوتا: "الوضع المثالي أن يكون القائد مثل الهواء لا تشعر بوجوده ولكنك ستقع في أزمة كبرى إذا اختفى".