قبل سنوات طويلة عاصرت مديراً مهووساً بإبراز صوره واسمه في الإعلام، وفي مرة بعث خبراً إلى جريدة عن استقباله وفداً أجنبياً زائراً وفيه أدق التفاصيل عن كل ما قام به في الزيارة مع تكرار اسمه سبع مرات في نفس الخبر الذي لا يتجاوز أربع مئة كلمة لدرجة تضمين الخبر أنه شرب القهوة مع الوفد الزائر، والأدهى والأمرّ أن الجريدة نشرت الخبر كما هو.. مقالة اليوم حول هذه النوعية من المديرين.. بداية من المهم التوضيح أنني لست أعترض تماماً على ظهور المديرين في الإعلام، فهنالك دراسات تؤكد أن الجهات التي يتواجد رؤساؤها ومنسوبوها بفاعلية في مواقع التواصل تزداد ثقة الجمهور بمنتجاتها وباسمها وترتفع مبيعاتها، ففي نهاية الأمر الجمهور يحب أن يشجع فريق كرة قدم أو سلة ولكنه سيتعلق بنجوم الفريق وليس بشعار النادي واسمه فقط، ونفس الأمر ينطبق على المنظمات والشركات. ولكن أين تكمن المشكلة؟، المشكلة كما في حالة المدير الذي نشر الخبر عن شربه القهوة ولم يذكر أي اسم آخر من منظمته واكتفى بتكرار اسمه سبع مرات، وعاصرت مديرين كانوا يحرصون على حذف أي صور من المواقع والحسابات والتقارير لا يظهرون فيها أو صور لا يكونون الأبرز فيها، وعندما تجد اسم المدير أو المسؤول يتكرر أكثر من مرتين في قائمة العاملين والمهام فاعرف أن هنالك مشكلة، فإما أنه شخص خارق للعادة والزمان والمكان، وإما أن فريقه ليس لديه قدرات أو أنه سارق لجهودهم وجاحد لها. وللأسف الشديد، فقد يكون من أسباب انتشار ثقافة حب الظهور الإعلامي على شاكلة المدير الذي شرب القهوة هو ميل الكثير من الجماهير إلى تعظيم الإنجازات الفردية والتقليل من شأن الإنجازات الجماعية، ففي عالم الإنتاج التلفازي السينمائي في الشرق والغرب ستجد أن هنالك أعداداً كبيرة من الأشخاص تعمل كفرق محترفة كلٌ في مجاله وتخصصه، بينما ليس من المستغرب كثيراً في العالم العربي أن يكون نفس الشخص هو المؤلف والمخرج والمنتج وربما الممثل أيضا. وللتأكيد، فمن المهم أن يحضر المدير إعلامياً بحدود وبشكل يخدم مصلحة المنظمة والشركة وأهدافها وليس بشكل يستخدم فيه المدير المنظمة وحساباتها للتسويق عن نفسه وإنجازاته، فنوعية المديرين العاشقين للكاميرات لا تتحمل وجود أي تهديد أو خطر لبروز أسماء أخرى قد تهدد كراسيها مما يجعل تركيزها ينصب على محاربة المبدعين وإبعادهم وتقزيم دورهم بدل التفكير في نجاح عمل المنظمة أو الشركة. وختاما، القيادة الناجحة واثقة من نفسها ولا تحتاج أن تسرق إنجازات الآخرين لتبرز نفسها، وبالنسبة لكثير من العاملين والموظفين فإبراز أسمائهم ودورهم حافز كبير لهم لمواصلة الإبداع والتميز، والعكس صحيح، فسرقة جهودهم وأعمالهم وتهميش أدوارهم قاتل كبير لحماسهم ودافع لمغادرة المكان لشركات ومنظمات أخرى، فالمتميزون لا يستقيلون بسبب سوء الجهات، بل بسبب سوء تعامل المديرين الفاشلين.