يشكل القلب السليم نصف سعادة الإنسان في هذه الحياة، ولا سيما إذا اجتمعت سلامة القلب من الناحية الطبية، وسلامته من الناحية الإيمانية، وسلامته من الناحية الأخلاقية، فالقلب لأهميته أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من موضع قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ). وكقوله تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا). وفي الحديث الشريف ما يدل على أن مدار صحة وسلامة الإنسان مرهون بسلامة القلب (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). بعض الكلمات قد تصدر من الإنسان وتتمنى تلك الكلمة لو تركها صاحبها، فكذلك بعض القلوب مظلومة مع أصحابها، لم تهنأ يوماً بالحب أو التسامح أو التواضع أو العرفان أو الفرح، معظم وقتها منهمكة في الغل والتشفي والكبر والحسد والنميمة والغيبة والضغينة والسخط، لا تهنأ بالخير إن وصل للآخرين، ولم ترضَ بالخير إذا وصل إليها، ولا ترضى بالقدر أينما حل، وكأن ذلك القلب يقول لصاحبه دعني. هل جرب الإنسان أن يعيش يوماً استثنائياً، ليس فيه حقد أو غل أو كبر أو غش أو حسد؟ هل جرب الإنسان يومًا أن يتصافح مع القدر والرضا والواقع ويردد (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً)؟ كم مرةً حاول الإنسان أن يعيش يوماً ليكون نموذجاً للإنسان الإيجابي الخيّر؟ أأعطى الإنسان نفسه فرصة يوماً ما ليعيش وفق إرادة الله تعالى؟ ماذا لو اختار الإنسان يوماً ليجعله تجربة ليوم مليء بالروحانيات والإيمانيات؟ يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (الفوائد): "الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله، فإنه يكره نعمة الله على عبده وأقد أحبها الله، وأحب زوالها عنه والله يكره ذلك، فهو مضاد لله تعالى في قضائه وقدره، ومحبته وكراهيته، ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة لأن ذنبه كان عن كبر وحسد". أما الفقيه أبو ليث السمرقندي فيقول: "يصل الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولها: غم لا ينقطع، ثانيها: مصيبة لا يؤجر عليها، ثالثها: مذمة لا يحمد عليها، رابعها: سخط الرب، خامسها: يُغلق عليه باب التوفيق. (المستطرف في كل فن مستظرف: للمؤلف شهاب الدين الأبشيهي). إن نعمة القلب وسعادته ليست في نبضاته فقط، ولو كان الأمر مقتصراً على ذلك لوجدت الجميع في حياة السعادة والسرور، لكن هناك قلب تعيش به وقلب تسعد به، فأما القلب الذي تعيش به فهو آلة النبض التي لا يستغني عنها أحد، أما القلب التي تسعد به فهو آلة الخير التي تجذب لك الأفراح والبهجة. لم أجد أجمع وأجمل من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس). لأن معظم المشاكل النفسية التي تعيش في نفوس القلوب المظلومة مع أصحابها منشؤها غالباً عدم الرضا والقناعة بما لديه من الإيجابيات والخيرات، ولو أنه تأمل في تلك النعم بعمق وصدق لوجد أن الله أعطاه خيراً كثيراً. لكن كما قال الله تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ: آية 13.