مما لا شك فيه أن هداية القلب أساس كل هداية ومبدأ كل توفيق وأصل كل عمد ورأس كل فعل، قال تعالى:{وّمّن يٍؤًمٌنً بٌاللَّهٌ يّهًدٌ قّلًبّهٍ}. فصلاح القلب فيه سعادة في الدنيا والآخرة، وفساده هلاك محقق لا يعلم مداه إلا الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». فالقلوب تمرض ويطبع عليها، وتقفل وتموت، فلذلك نجد أن قلوب أعداء الله عز وجل معهم في صدورهم، ولكن لهم قلوب لا يفقهون بها، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» إذن فقلب المؤمن يصوم في رمضان وغيره وصيام القلب يكون بتفريغه من المواد الفاسدة من شركيات مهلكة، واعتقادات باطلة، ومن وساوس سيئة، ونوايا خبيثة، كما يصوم القلب عن الكبر لأنه يفطر القلب، فلا يسكن الكبر قلب المؤمن، فإذا سكن الكبر في القلب أصبح صاحب هذا القلب مريضاً وسفيهاً، وسقيماً أحمق. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تكبر على الله وضعه، ومن تواضع له رفعه» كما يصوم قلب المؤمن عن العُجب، والعجب تصور الإنسان كمال نفسه، وأنه أفضل من غيره، ودواء هذا العجب النظر إلى عيب النفس، وكثرة التقصير، كذلك يصوم قلب المؤمن عن الحسد، لأن الحسد يحبط الأعمال الصالحة ويطفئ نور القلب، ويعطل سيره إلى الله تعالى. ولنا في قصة الرسول صلى الله عليه وسلم عبرة وعظة، حينما أخبر عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات عن رجل من أصحابه أنه من أهل الجنة، فلما سئل ذاك الرجل بم تدخل الجنة؟ قال: لا أنام وفي قلبي حسد أو حقد أو غش على مسلم، فهل من قلب يصوم صيام العارفين؟! كتاب 30 درساً للصائمين «د. عائض القرني»