منذ بداية شهر رمضان المبارك، وهناك نقاش محتدم على الشبكات الاجتماعية يدور حول سؤال: هل يجب أن تكون الدراما التلفزيونية صورة عاكسة للمجتمع بكل ما فيه من مميزات وعيوب وأن تكون "صادقة" في نقل الواقع حتى ولو كان مؤلماً..؟ أم تركز على الإيجابيات فقط وتتجاهل أي عيوب حتى لا تساعد على نشرها واستفحالها..؟ الحقيقة أن هذا النقاش ليس بجديد ولا يرتبط بموسم الدراما الرمضانية هذا العام، ولكنه نقاش عمره من عمر الأدب العربي الحديث وتشكله في مطلع القرن الماضي، وازداد هذا النقاش مع ظهور السينما وظل مصاحباً لكل أشكال الفنون المرئية إلى أن وصل إلى ذروته مؤخراً. والمتناولون لهذه القضية ينقسمون قسمين: الأول ويشكل الغالبية العظمى، يرون أن ما تقدمه الدراما الرمضانية في عدد من البلدان العربية يساهم في انتشار ثقافة مرفوضة قائمة على العنف واستخدام الألفاظ الغريبة، ويقولون إن كثيراً من المسلسلات مليئة بمشكلات شديدة الغرابة لا تعبر عن الواقع، وتقدم شخصيات لا تمت للأفراد الطبيعيين الذين يشكلون الطبقة الوسطى في غالبية الوطن العربي، وتكاد تقدم مجتمعاً خيالياً لا نعرفه. أما القسم الثاني، وهم أقلية وأغلبهم إما عاملون في المجال الفني أو متداخلون معه، فيرون أن الواقع أصبح شديد القسوة وعلى الدراما أن تعكس صورته بكل أمانة، من باب أن أول طريق العلاج هو الاعتراف بالمشكلة، كما يدافع البعض عن حق صناع الدراما في تقديم المجتمع بالصورة التي يرونها حتى ولو كانت تخالف الواقع، من باب حرية الإبداع. وقبل أن نتبنى أياً من الرأيين، دعونا أولاً نتفق على قدرة الدراما والأدب وكل أشكال الفنون بشكل عام، على تشكيل المجتمع والتأثير عليه وعلى الأجيال الشابة ما ينعكس على أفكارهم وأسلوب حياتهم في المستقبل، وهذه حقيقة لا أظن أن أحداً ينكرها من الجانبين. ثانياً، أراني أتفق مع الرأي القائل بأن الدراما يجب أن تكون صورة عاكسة للمجتمع بعيوبه ومميزاته، ولكن هل كانت الدراما المقدمة حالياً صادقة بالفعل..؟ في الإجابة تكمن المشكلة الحقيقية، وهي أن كثيراً من المسلسلات المعروضة ركزت على المساوئ فقط، ولم ترَ إلا الجانب المظلم وقدمته وكأنه الوجه الوحيد لمجتمعاتنا العربية، دون أن تلتفت إلى الوجه الآخر، الطبيعي الوسطي المتمسك بأخلاقه وطبائعه الشرقية، وهذه هي الأزمة الكبرى. إن الصورة السوداوية التي تقدم للمجتمع في بعض المسلسلات تبني ولا شك مجتمع المستقبل وستؤثر عليه سلباً، فإن كنا ندافع عن حرية الإبداع وعن حق العمل في تقديم الواقع بكل جوانبه، فعلينا أيضاً أن ندافع عن حق المجتمع في تلقي دراما تهتم بالمضمون أكثر من الإثارة، دراما تقدم لنا نماذج إيجابية صالحة يكون لها التأثير الأكبر على شبابنا، لا أن نقدم لهم فقط العنف الجسدي واللفظي بداعي أن هذه هي الحقيقة المرة.