ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر. أبو القاسم الشابي. يترادف تعلم اللغة الإنجليزية دائما مع الإحباط، والتعلم بصفة عامة أمر شاق يستلزم التضحيات الكثيرة وأهم قيم ترفع منسوب الرغبة في التعلم تكمن في أمرين: «صبر على العلم وصبر عن المغريات»، ومما يواجهه الكثير من الناس من عزوف عن تعلم اللغات عموما واللغة الإنجليزية على وجه الخصوص هو الدجل الموجود على الشبكة العنكبوتية وخصوصا على صفحات تويتر حيث تزخر بمن يدعون أنهم قادة المعرفة اللغوية ولكنهم قد ضلوا وأضلوا الكثير عن المنهج الصحيح لتعلم اللغة، وأكثر أمر جعل الإحباط يتغلغل في عقول متعلمي اللغة هو ادعاء البعض أن تعلم اللغة الإنجليزية يتطلب بضعة أشهر أو سنة لكي تصبح قادرا على الحديث والحوار وفهم الآخرين. بل ويزداد الأمر سوءا بالكتب ذات العناوين البراقة «تعلم اللغة في أسبوع» أو «في شهر»...إلخ، فيهرع المتعلم لاقتنائها وسبر أغوار اللغة وسرعان ما يعزف عن التعلم للأبد وذلك لأنه لم يجد جدوى من الكتب أو تغريدات بعض المضللين الذين طالما خدعوا الكثير بتغريدات لا تستند على الدليل العلمي. التعلم بالمختصر «رحلة عمر» وليس مرتبطا بفترة زمنية محددة، إن ربط التعلم بزمن محدد يجلب الإحباط المطلق وهجر التعلم، بل ومن المعضلات التي تجلب الإحباط هو ربط التعلم بكتب قواعد اللغة والتي أسميها دائما «مقبرة اللغة» فقواعد اللغة لا تشكل سوى 10 % من اللغة ودورها هو تأطير اللغة بغلاف نحوي لكنها ليست منهجا للحديث فمن يتحدث بلغة غير نحوية سيوصل المعنى ولو تحدث عن المستقبل بصيغة الماضي وذلك لأن المعنى رهين بالسياق اللغوي لا البناء النحوي بالدرجة الأولى ولك أن تلاحظ ذلك مع غير العربي. بل حتى إن الطفل في أول مراحله العمرية يستعمل في لغتة أسلوبا لغويا يطلق عليه Telegraphic Speech «اللغة المختصرة» أي عبارة عن سرد للمفردات دون قواعد فهو قد يقول Mom milk وتفهم الأم أنه يريد حليبا أو Daddy sit «يجلس أبي» أو «اجلس يا أبي» فعل أمر للطلب وغيرها الكثير. وكلها جُميلات أو أشباه جمل دون أدنى بناء نحوي لكنها توصل المعنى بأزمنته المتعددة والمتحورة، ولكن مع الممارسة وكثرة التثاقف اللغوي وعدم الخوف من الخطأ تتنمى اللغة لترتقي لمستويات أعلى ولكن ذلك يتطلب زمنا طويلا بل وينقضي عمرك وتجد نفسك جاهلا باللغة. وأذكر أن بروفيسورا درسني في الغرب وهو من أهل اللغة ورائدا من رواد اللسانيات إلا أنه في كل محاضرة كان يحضر القاموس معه وقد سألته يوما لماذا القاموس وأنت من أهل اللغة فقال: «كونك من أهل اللغة لا يخولك أن تحيط بكل مفرداتها فالإنجليزية تحوي نصف مليون مفردة غير الجذور اللغوية» وقد صدق في ذلك كل الصدق. وإن ظننت أنك ستتعلم اللغة في أشهر أو القليل من السنوات -كما يدعي من يغرر بك- فلك أن تجرب لغتك العربية التي ولدت وعشت وترعرعت بها هل تغنيك لكي تفهم هذا البيت لعنترة: «خطّارةٌ غبّ السُّرى زيّافةٌ ... تطس الإكام بوخذ خفٍّ ميثم» حتى المختص في اللغة العربية سيجد المشقة لكي يفهم مفردات هذا البيت البسيط وهي لغته فكيف بلغة أخرى تتعلمها وتظن بأنك وفي غضون أشهر ستلقي محاضرة بها. دائما ما أقول اللغة «ليست حقنة وريدية» تأخذها فتصبح متحدثا بها كما تريد بل هي منهج عمر يتبع خطوات صحيحة تبدأ بتمييز الأصوات في الدماغ وفق الاستماع الصحيح، متجهة نحو إحلال الصوت الجديد بدلا من الصوت العربي في الدماغ حتى يقل الامتزاج والخلط بين اللغتين مع الوقت ومن ثم يبدأ بعد ذلك إنتاج الأصوات الصحيحة إلى غير ذلك من المهارات وفق المنهج العلمي الحديث وليس وفقا للهوى والتخبط. لعل مقالات قادمة أتناول بها المنهج الصحيح للتعلم تفيد الجميع.