خلال الفترة القليلة الماضية مرت أحداث وتصريحات سياسية في أماكن عدة من العالم تم من خلالها استغلال العنصرية ربما لأهداف انتخابية أو بدعوى الحرية أو لكسب رضا فريق وفئة ضد أخرى أو للتسويق لآراء معنية.. كل ذلك باعتقادي أنها لم تكن أفعال مسؤولة وقد تكون خطيرة جدًا على النسيج الإنساني العالمي، وتقوض جهود مئات السنين دفعت فيها البشرية تضحيات كبيرة لنبذل العنصرية والكراهية بكافة صورها وأشكالها، ثم استمرت هذه الجهود من خلال أنظمتها التعليمية على اختلاف تنوعها واختلاف ترتيب منظومة القيم لديها وتوجهاتها ولكنها جميعًا تتفق على قيم التسامح والتعايش والعدالة والمساواة داخل المجتمع الواحد على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأشكالهم وألوانهم وتفكيرهم وعاداتهم وقد تكون على درجة كبيرة من التباين وهذه طبيعة البشر، مما يؤدي إلى نشوء ثقافات متنوعة، ولكنهم جميعًا يتوحدون في سعيهم للعيش بكرامة وسلام وتحقيق طموحاتهم ومصالحهم، لذلك ما يجمع الناس هو أكثر مما يفرقهم، كما أن العصر الحالي الذي تميز باحتكاك المجتمعات بعضها ببعض، وتشابك المصالح بينها نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات والمواصلات، ما جعل من التسامح، والتعايش، والاتصال، والحوار المفتوح، قيما لا بد منها لتحقيق مصالح المجتمعات جميعها. قيم التسامح والتعايش باتت ضرورة حياتية في كل المجتمعات، خاصة في وقتنا الراهن إزاء ممارسات العنف والإقصاء، والعنصرية، والكراهية، ورفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف (أيا كان هذا الاختلاف: ثقافيا، أو دينيا، أو سياسيا)، بل الحاجة إلى قيم التسامح والمساواة تشتد مع اتساع رقعة التنوع العرقي والديني، لامتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش والانسجام، في غيبة قيم التسامح بين الثقافات المختلفة، ستسود نقائضها النافية، كالتعصب والتطرف والانغلاق ومحاولات الإقصاء والتهميش للآخر، كل تلك النقائض أدت إلى مشكلات لا حصر لها كالإرهاب، والتمييز العنصري، والتكفير، والطائفية، وغياب الوسطية والاعتدال.. كل ذلك في ظل حقيقة واحدة غائبة عن ذهن المتطرف أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد وشعب واحد يسكن كوكباً واحداً: ولا أدل على ذلك إلا جائحة كورونا التي أصابت كل شعوب العالم دون استثناء أو استئذان أو تمييز، واستشعر كل العالم حتمة التوحد لمواجهة هذا الوباء الخطير الذي يهدد حياة البشرية جمعاء. إن الاعتراف بهذه المفاهيم هي في الحقيقة الترياق الأمثل لمرض العنصرية والكراهية والتمييز والخوف من الآخر ولسائر مظاهر التفرقة، ولا شك سيبقى التعلم والمؤسسات التعليمية والتربوية هي الأنسب على تصوير الفكر وتطويره وأنجع الوسائل لمنع اللاتسامح، وأول خطوة في مجال التسامح هي تعليم الناس والتشجيع على اعتماد أساليب منهجية وعقلانية لتعليم التسامح، وسياسات وأنظمة دولية ومحلية تمنع ذلك وتجرمه وبرامج تعزز التفاهم والتضامن والتسامح بين الأفراد ومجتمعاتهم، وتربية النشء عليها وتقبل الآخر، بحيث يكون هذا الجيل متسامحًا مع مجتمعه عامة بمكوناته، ينبذ الفئوية والتعصب والكراهية، وواعدًا لقيادة المستقبل.