عمر العمري بطبيعة المجتمعات البشرية، توجد اختلافات في التفكير، على درجة كبيرة من التباين، ما يؤدي إلى نشوء ثقافات متنوعة، ولكنهم جميعًا يتوحدون في سعيهم إلى العيش بكرامة وسلام وتحقيق طموحاتهم ومصالحهم، لذلك ما يجمع الناس هو أكثر مما يفرقهم، كما أن العصر الحالي الذي تميز باحتكاك المجتمعات بعضها ببعض، وتشابك المصالح بينها نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات والمواصلات، ما جعل من التسامح، والتعايش، والاتصال، والحوار المفتوح، قيما لا بد منها لتحقيق مصالح المجتمعات جميعها. قيم التسامح باتت ضرورة حياتية في كل المجتمعات، خاصة في وقتنا الراهن إزاء ممارسات العنف والإقصاء، ورفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف (أيا كان هذا الاختلاف: ثقافيا، أو دينيا، أو سياسيا)، بل الحاجة إلى قيم التسامح تشتد مع اتساع رقعة التنوع العرقي والديني، لامتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش والانسجام. في غيبة قيم التسامح بين الثقافات المختلفة، فيما بينها وبين عناصر وروافد الثقافة الواحدة، وبالتالي سيادة نقائضها النافية، كالتعصب والتطرف والانغلاق ومحاولات الإقصاء والتهميش للآخر، كل تلك النقائض أدت إلى مشكلات لا حصر لها كالإرهاب، والتمييز العنصري، والتكفير، والطائفية، وغياب الوسطية والاعتدال. ومن هنا على المجتمعات بمؤسساتها، حتمية إشاعة مبادئ التسامح وأحقية كل فرد في حرية التفكير والرأي والتعبير، وأن التربية يجب أن تهدف إلى تنمية مفاهيم التسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات والأفراد، وأن يتم التأكيد باستمرار على تطبيق وتفعيل اتفاقيات وعهود حقوق الإنسان جميعها، التي تهدف إلى إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، والدعوة إلى التسامح والسلام وحسن الجوار، والحد من مظاهر النزعات العدوانية والعنصرية وسياسات الاستبعاد والتهميش. ولا شك سيبقى التعليم من أنجح الوسائل لمنع اللا تسامح، وأول خطوة في مجال التسامح هي تعليم الناس والتشجيع على اعتماد أساليب منهجية وعقلانية لتعليم التسامح، وسياسات وبرامج تعزز التفاهم والتضامن والتسامح بين الأفراد ومجتمعاتهم. والمؤسسات التعليمية والتربوية هي الأنسب على تصوير الفكر وتطويره، لتربية النشء على قيم التسامح وتقبل الآخر، لتؤدي رسالتها التعليمية والتربوية على أكمل وجه من خلال بناء جيل واعد لقيادة المستقبل، بحيث يكون هذا الجيل متسامحًا مع مجتمعه عامة بمكوناته، ينبذ الفئوية والتعصب والكراهية، حيث تصبح قيم التسامح واللاعنف قيما أساسية، من خلال ما يتعلمه الفرد ويمارسه من سلوكيات ومهارات يكتسبها تنمي قيم التسامح لديه من خلال التفاعلات والأنشطة المختلفة.