منذ أكثر من عقد، وتحديداً العام 2009. أطلق معالي الدكتور نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق باكورة إصداراته التي أدهشت القرّاء بجودتها ومهنيتها العالية كما أنها ظاهرة محاكاة صادقة للفكر السياسي السعودي المُعاصر، كيف لا؟ وهو الذي خبر تلك السياسة السعودية الرصينة على مدى عقود متقلباً بين المناصب وملازماً لِصُنّاع القرار السعودي، منذ العام 2009م زخر العالم بشكل عام والمنطقة على وجه الخصوص، بالأحداث السياسية الكبرى، كان الطابع الغالب على تلك الأزمات أنها امتداد لما سبقها، والتي خيمت على الأجواء في المنطقة منذ منتصف القرن الماضي، طرح معالي د. نزار مدني في كتبه تحليلًا حيوياً لتلك الأحداث والقضايا دون إغفال ربطها بواقعنا المعاصر. تشرّفت مؤخراً بقراءة أحدث إصدارين لمعاليه، متوجين بإهداء رقيق خصّني به مشكوراً، عنوان الكتاب الأول: "أوراق من الجُعبة، رؤى وخواطر وسوانح"، والثاني بعنوان: "تأملات سياسي متقاعد، سيرة فكرية" كلاهما من إصدار العبيكان للنشر، خليق بي القول: إن التراث الدبلوماسي السعودي العريق تحوّل على يد معالي الدكتور نزار مدني من مجرد خواطر واجتهادات شخصية إلى مقاربات منهجية تُمكّن المتابعين والدارسين لهذا الإرث العريق على فهم مقاصده وأهدافه النبيلة، يأسرك المؤلف بأسلوبه الشيق الذي يهديك عبق التراث ولا يبخل عليك بإيقاع العصر الذي اعتاده معاليه في إصدارته كافة وهي إحدى سماته المميزة في الكتابة، ساعده في ذلك عمله لعقود خلت، تطلبت منه دائماً فتح النوافذ والأبواب كافة للتواصل مع الآخر. عملية الربط بين فصول الكتابين الجديدين تُبقيك على تماس دائم مع خط رَسمهُ المؤلف بذكائه المعهود لقرّائه، وهذا الخط يحفزك بشكل لا شعوري لأن تكون شاهداً على الأفكار التي يرويها معالي الدكتور بأسلوبه الرشيق متنقلاً بين رؤاه، وخواطره، وسوانحه، وتأملاته التي جاءت في الكتابين المذكورين. في كتابه "أوراق من الجعبة" سبعة فصول، سرد فيها المؤلف انطباعاته القيّمة في الشأن الإسلامي والمحلي والخاص، كما خصّص فصلين للحكم والمواعظ والأقوال المنسوبة، التي قدّمها للقارئ في قالب ممتع يضفي على الكتاب الكثير من الإثارة والتشويق، وهما مفاتيح ضرورية لنجاح أي عمل إبداعي، أما في إصداره الأحدث "تأملات سياسي متقاعد" فيعزو المؤلف فكرة الكتاب لسبب وهو قراءته كتاب الدكتور عبدالخالق عبدالله المعنون "اعترافات أكاديمي متقاعد" الذي تضمن كما أشار معالي الدكتور انطباعات إيجابية ونظرة تفاؤلية عن مفهوم التقاعد. إن التجربة الثرية التي راكمها معالي الدكتور نزار جعلت من تأملّاته التي سردها في الكتاب ذات طابع فلسفي، تدفع القارئ لمواجهة مواقفه من تلك القضايا التي يتناولها الكتاب ولاسيما التيارات السياسية والفكرية التي شهدها العالمان العربي والإسلامي في العصر الحديث. كلا الكتابين يعدان هدية قيمة للمكتبة العربية، وأنصح كل متابع قراءتهما لتعم الفائدة ولترسخ القيم الأصيلة التي يطرحها معالي د. نزار بن عبيد مدني جزاه الله خير الجزاء. * كاتب ودبلوماسي