الذائقة تفاعل فيما يتصل بالجمال في كل شيء، في المشهد والنص واللغة وفيما ترى العين وفيما يحرك الإحساس والشعور.. إلخ وفي الشعر نقول قصيدة لم تناسب ذائقتي، وقصيدة ترتقي بها، وقصيدة اخترتها بذائقة القبول حتى وأنا خلي من ذائقة مسبقة. ولتعريف الذائقة يكتفى بالملامح، فلعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة مفردة الذائقة هو تصور الذوق باللسان وبالأخص تذوق الطعام، فكثيراً ما نقول: هذا طيب، هذا جيد، هذا أقل قبولاً، ونصنف الأطعمة بحسب ذوق كل منا ودرجة قبوله وما تعودنا عليه. ولعلنا نتوقف عند جملة (تعودنا عليه) فالذي يحدد القبول في الغالب هوالتعود على النوع واللون والنكهة والرائحة.. إلخ ، مما يؤكد ارتباط التذوق بالتعود على الشيء. فالذائقة إذاً تزرع وتستحدث وتنمى، كما أنها في المقابل يمكن أن تشوه وتدمر. وهناك ما يتصل بالمعنويات والمجاز في ذلك كتذوق الراحة والرحمة والشوق وطعم النعمة، وتذوق أي شعور وإحساس في القلب. تتبادر كل أو بعض هذه المعاني عندما ترد مفردة الذوق، وهذا هو المعنى الذي يمكن تقريبه لكي تتضح معاني الذائقة. ولا نستغرب أن يقال: هذه القصيدة أو السالفة أو الجلسة بما دار فيها من أخبار لا طعم لها، أو هذا التعبير ركيك ولا طعم له، فلا نعترض ونقول: إن المطعوم ينفرد به الطعام، والتذوق لا يأتي إلا فيما يؤكل ويشرب، فميدان اللغة واسع وميدان التفاعل بين الناس في التعبير حمال أوجه، يستوعب الوصف والتشبيه وكل جوانب البيان. ولأهمية الذائقة في الحفاظ على جودة المنتج لدى الشاعر وإنتاجه الشعري وعند المتلقي باعتباره مستقبلاً يتحكم فيما يطرح بالقبول أو الرفض يؤكد الجميع على احترام الذائقة فلا تمس بخدش فضلاً عن كسر وتشويه، والسعي ناحية الارتقاء بها، وتنقية ميدان الشعر من الهبوط مما قد يؤثر على ذائقة المتلقي في المستقبل فيفقد شيئاً منها. فالشعر القوي واللفظ الفخم والسبك والمعاني الراقية كلها ترتقي بالذائقة والعكس بالعكس أيضاً، فالشاعر القديم أول ما اهتم به نقد نفسه من خلال ذائقة المتلقي وذائقته هو أيضاً، وقد كان المتلقي في وقته يتمتع بذائقة عالية المستوى، لم تشوه بشعر رديء ولا بغيره، فكانت تلك الذائقة جديرة بأن تنصب حكماً وناقداً. وجل الشعراء في الوقت الحاضر يهتمون جداً باحترام ذائقة المتلقي ويخافون عليها، فيبتعد الشاعر عن المفردة الرديئة ويرتفع بمعانيه ويتجنب الهزيل حتى لو لم يلاقِ استحساناً من بعض الجمهور أو تصفيقاً له، ولكنه يعرف أنه في النهاية يدمر الذائقة العامة لهم والخاصة له. وأما نتائج تدمير الذائقة فهي استحسان المتلقي فيما بعد للرديء من الشعر فيكتفي به عن الجيد، وهذه كارثة وجرم في حق الشعر عموماً. وما يقال عن الذائقة الشعرية يقال عن كل ذائقة. ونختم بما يرتفع بالذائقة: يقول الشاعر فهد إبراهيم المفرج التميمي: لا ضاقت الدنيا والأصحاب خَلّوك سِج القِدَم في واسعات الفيافي وْلا جيت لك شِعبٍ من السيل مدكوك تضرب على جاله هبوب السوافي فاجمع حطبك وْشِب ضوّك وأنا أخوك وإرك الدِلال وجعلها لك عوافي وزْرار ثوبك لو تخلّيه مفكوك أخير لك من صكّتِه يا السنافي يومٍ تضاَيق فيه ماهوب مبروك سيّر وتلقى لك ربوع وْملافي اضحك وباب الرِزق ماهوب مصكوك رزقٍ قِسَمه الله بياتيك وافي ولا تهوجس في مشاريع وبْنوك وسَهم العقارية وسهم المصافي مافات راح وْما بقى منك متروك لا تحسب إن جَوّك على طول صافي العمر مرّة ما بها ظن وشكوك وإليا انتهى، ما فيه شَوطٍ إضافي مادامت الدنيا لحِكّام وملوك أقفت بهم شِهب السنين العجافي لا تجازي المخطين بالمِثل لا أوذوك أبعد بخير وسِتر الأجواد ضافي دربٍ تجيه اليوم لا تزرعه شوك يمكن تجي له بعد يومين حافي