الذائقة: تلك المفردة التي تتكرر على مسامعنا، باعتبارها إعجابا أو توافقا بين ما في نفس المتلقي وبيت شعر أو قصيدة وقبولها. والذي يتبادر إلى الذهن عن معنى الذائقة، أنه طعم الشيء الذي نتذوقه باللسان لنعرف طعمه أهو مقبول أم لا، وهذا بالفعل أحد معاني الذائقة في العربية، تمييز الأشياء من مطعوم ومشروب بحيث نفرق بينها، سواء قبلناها أم لم نقبلها، فقد تكون أشياء عديدة متشابهة في الشكل، ولكنها مختلفة في المذاق. ومن معاني الذائقة قولنا: ذاقَهُ ذَوْقاً ومَذاقاً ومَذاقةً: اخْتَبَرَ طَعْمَهُ، وفي اللغة ذاقَ القوسَ: جَذَبَ وتَرَها اخْتباراً. وتَذَوَّقَهُ: ذاقَه مرةً بعدَ مرةٍ. و تَذاوقوا الرِّماحَ: تَناوَلوها. َ واسْتَذَاقَ له الأمْر: انقاد له وطاوعه. ويقال: لا يَسْتَذِيقُ لي الشِّعْرُ إلاَّ في فلانٍ. وأَذَاقَهُ مُرَّ العَيْشِ: جَعَلَهُ يَخْتَبِرُ، ويُجَرِّبُ مُرَّ العَيْشِ. وتذوق القهوة وطعم الحرية.. إلخ. وهكذا فلهذه المفردة معان يدركها المتلقي مما يتعلق بالمحسوسات والمعنويات أيضا. وفي الشعر لا بد أن تكون للشاعر ذائقة عالية في اختبار جميع مكونات القصيدة، بدءا من المفردة، مرورا بالمعاني وجماليات القصيدة وأخيلتها وصورها الفنية وأي خلل في ذائقة الشاعر سيؤدي إلى رفض القصيدة بسبب ذلك الخلل قل أو كثر. ولكل فرد ذائقة خاصة به، وفي الغالب تتفق الذائقة على الجيد مما يطرح إذا تضمن بلاغة القول وجودة في المعاني ورافقه الإبداع والشاعر والمتلقي قد اكتسبوها مسبقا وإلا فلا، وقد تنعدم الذائقة أو تقوى، فكما نجد من يميز بدقة بين المشروبات وبين المطعومات وجودتها، فهناك أيضا من يميز بدقة بين منتج شعري وآخر، كما نجد شاعرا لا يتمتع بالذوق الشعري وآخر متذوقا للشعر وكذلك المتلقي، فمنهم من يملك حسا وذائقة وهو ليس بشاعر، والعكس صحيح أيضا. والذائقة مما لا يمكن منحه، مثلها مثل موهبة الشعر، ولكن يمكن غرس وتنمية الذائقة من خلال وسائل كثيرة باعتبار الذائقة من المكتسبات وليست من المواهب، فيمكن الحصول عليها بالمجالسة والمعايشة وطول الممارسة والرغبة، وأيضا يمكن تغييرها وربما أصابها التشويه، والجميع يسعون إلى الارتقاء بها. ولهذا كما نهتم كمجتمع بغرس الذائقة فإننا نخشى عليها من التشويه، والمعروف أن الشعر الجيد يوجِد الذائقة الجيدة ويرعاها في بيئته، والعكس صحيح أيضا، فالذائقة المشوهة تفرز شعراء وشعرا رديئا هابطا هزيلا. ومن نماذج الشعر التي تتوافر في قائله الذائقة الرفيعة قول الشاعر أحمد الناصر الشايع رحمه الله: الا يالله بنو الخير لا تجزا حمام ناح يزيد الهم بأصواته وروحاته وجياته يذكرني زمان قد مضى كله طرب وأفراح زمان العام والا اليوم لاوده ولاهاته والا واعزتي للي جزت عينه وسده باح ولا يبغى العرب يدرون بأسراره وغاياته ولا تقضي هواجيسه ولا يقعد ولا يرتاح تغير واشتغل فكره وهي ماهيب عاداته على اللي تل قلبي من عروقه في يديه وراح طلع درب مثل طلعة كرى صعبة ملفاته توافقنا على بير طويل مثل بير رماح وانا فيه اتفرج لين غلق كل حاجاته وانا عودت يم البير مثل اللي يويق وطاح تكسر به ثمان ضلوع وذراعه وتركاته وربعه مالقوا حبل طويل ولابهم سباح وهو في قاعة البير الطويل يجر وناته اهوجس فالنهار وفي ظلام الليل أصيح صياح ولا ينلام من ذاق الغرام وذاق لذاته فلا شك البلا من دونها كسابة الأمداح قضبها في يدينه واحد قضب العمى شاته وغلق دونها باب الحديد وكسر المفتاح وانا مقهور من جور الزمان وحر لوعاته جرحني صاحبي جرح عجز بعلاجه الجراح حسانيه القديمة ما تكافي ربع سياته هاك الحين الأوادم ما تشكك والقلوب صحاح وتال الوقت كلٍ شانت ظنونه ونياته ناصر الحميضي