اعتدتُ على سماع جملة يرددها الأباء دوماً لأبنائهم (أنا أثق بك، فلا تخذلني). لماذا لا نُغلّف هذه الجملة بثقةٍ أكبر، ونمزجها بحبٍ وطمأنينة أكثر؛ ونقول: أنا أثق بك، وأعلم يقينًا أنك لن تخذلني؟ فتلك الكلمات البسيطة التي لا نلقي لها تركيزاً كفيلة بأن تكون سببًا في عدم شعور أبنائنا بثقتنا بهم، فمن كانوا أطفالًا بالأمس أصبحوا كبارًا في اليوم، كبروا يوما بعد يوم حتى أصبحوا أكثر وعيًا وإدراكًا لتصرفاتنا معهم وأصبحوا يحتاجون كثيرًا لثقتنا بهم قولاً وفعلاً.. ولكن كيف ذلك؟ ففي أول محطة اختبار يخوضها أبناؤنا يُراودهم الخوف بدلاً من تلك الثقة التي ظننا أننا منحناها إياهم؛ فمن قالت: أنها تثقُ جداً بابنها أكثر من أي شيء آخر نجدها في أول تجربة يخوضها ابنها تقوم بلومه وتوبيخه على ذلك الفشل غير المخطط له، أما الأب فهو يهتفُ طوال الوقت عن ثقته بأبنائه ودعمه لهم واتضح لهم أنه مجرد هِتاف، بل يُحمّلهم نتيجة الفشل الذي لا بد منه. هنا عند أول تجربة يخوضها الأبناء أثبت الأبوان لهم (عكس ما أخبروهم به) ولم يُدركا أنهما ارتكبا جريمة بحق نفسيهما أولًا قبل أبنائهما، فخسرا ثقتهم بأولادهم وخسرا ثقتهم بأنفسهم.. كان بالإمكان أن يتداركا الموقف بطريقة إيجابية ترفعُ من ثقتهم بأنفسهم، بل كان عليهما أن يُعلما الأبناء ألا يخشوا الفشل ليعطيهم ذلك دافعية في الاستمرار والإصرار. ويُخبرونهم أن الإنسان الناجح لا ينجح من أول مرة بل يسقط وينهض، يفشل وينجح، يحاول ويحاول إلى أن يصل؛ فحقيقة علاقتنا بأبنائنا تشبه البذرة التي يغرسها المزارع بأرضه رغم أنه في البداية لا شيء سوى بذرة، ومع ذلك كان واثقاً بأنها لن تخذله، فيعطيها الثقة والعطاء والحب والاهتمام. ما الذي جعله يثق ويضعها بأرضه؟ لأنه يعلم جيدًا أنه إذا منحها منحته، وبالفعل بعد فترة من العطاء المستمر، يرى نمو وازدهار وثمار تلك البذرة التي أصبحت نبتة مثمرة. كانت مشاعر وثقة ذلك المزارع صادقة وحقيقية فحصد حصادا صالحا حقيقيا، كذلك أبناؤنا إن وضعنا بذرة الثقة بهم، لن يخونوا ثقتنا أبداً، بل سيكونوا عند حسن ظننا بهم. فأنت أيها الأب.. وأنتِ أيتها الأم: أما حان دوركما في احتضان تلك القلوب الصغيرة، فمنكما تُستمدّ الثقة، ازرعا بالأبناء الثقة وضعا تلك البذرة دون خوف أو تردد امنحوهما تلك الفرصة؛ ليكونوا لكما بذرةً صالحة.