"الثقة" علاقة فيها روح الاعتماد من شخص على آخر، والحديث عن "الثقة" لم ولن ينقطع بين البشر عبر امتداد العصور، والثقافات تحمل التباين الكبير داخل كل ثقافة حول التعاطي مع هذا المعنى الكبير، ومعدلات المنح لهذه "الثقة" فيها تفاوت كبير بين الناس، فمنهم من يكون بخيلاً على طريقة شكسبير القائل: «الغلو بالثقة هو العدو الأكبر لبني البشر»، ومنهم من يعطي بسخاء على طريقة همنغواي القائل: «أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان بإمكانك الثقة بشخص ما هي أن تثق به». السمات الشخصية للإنسان تؤثر كثيراً في تعامله مع "الثقة" بالآخرين، فأصحاب الشخصيات القلقة لا تعطي الثقة بسهولة لأن الشخصية القلقة هي شخصية شكاكة متوجسة تحاول جمع القرائن التي تحول دون إعطاء الثقة، ولذلك فهذه الشخصيات تفلح في عمل الحسابات المالية وتخفق كثيراً إذا أخذت أماكن قيادية، فالقيادي الناجح يثق بفريقه ويعطي الصلاحيات للآخرين. التعامل مع "الثقة" يهبك أرباحاً طائلة ويعرضك لخسائر فادحة، فهي كالمقامرة في سوق المعادن، وفي صفقة "الثقة" تربح الذهب وتخسر النحاس، ومن أجمل ما قيل في ذلك ما سطره إبراهيم الفقي رحمه الله حينما قال: «عندما تثق بأحد بشكل كامل تحصل في النهاية على شخص مدى الحياة أو درس مدى الحياة». عندما يكون الأصل في حياتك هو "الثقة" بالآخرين فإن روحاً جميلة ستجمعك بمن تتعامل معهم، وإشاعة أجواء "الثقة" تنثر أضواء المحبة في ظلمات القلوب، ونحن بأمس الحاجة للسؤال الذي يقول (هل أثق بك؟)، لتنتشر بيننا عبارات (ثق بي)، وعندما تعطي "الثقة" بشكل إيجابي لآخر فأنت تزرع بذورها في مزرعة قلبه، ويجب أن لا يمنعنا شبح "الخيانة" من ذلك، وأن نتذكر دائماً مقولة فرانك كرين عندما قال: «قد نتعرض لمواقف مؤلمة نتيجة ثقتنا الزائدة بالآخرين، لكن عدم وجود أحد نثق به سيشعرنا بألم أكبر». عندما نمنح الناس "الثقة" ونشعرهم بأننا وثقنا بهم فنحن نرفع كفاءتهم تلقائياً تجاهنا، وعندما يثبت الآخر نجاحه تجاه ثقتنا، فعلينا أن نرفع من مستويات "الثقة" معه، ولابد أن نحتفظ بهامش جيد من الخطأ، وألا تنهار هذه "الثقة" أمام أول خطأ يتساقط على سطحها، وألّا نلجأ لتخفيض مستويات الثقة إلا بعد عدد كبير من الأخطاء غير المغتفرة، وتذكر أن النسيان وقود جيد للثقة، وفي كل الأحيان علينا أن نكون مستعدين لصدمة "الخيانة"، فبقدر حجم "الثقة" يكون حجم "الخيانة". أعظم أشكال "الثقة" على الإطلاق هي الثقة بالله سبحانه وتعالى، فهناك تجد أرقى أنواع "الثقة"، وأجمل حالات حسن الظن، وكما يقول مصطفى الرافعي: «الثقة بالله أزكى أمل، والتوكل عليه أوفى عمل».