تُعدُّ الأيديولوجيا القطرية في دعم الجماعات الإرهابية ركيزةً أساسية في سياستها الخارجية لتحقيق أهدافها، وتعويض حجمها الجغرافي والسكاني الذي تفتقده للقيام بدور أكبر في الساحة الإقليمية والدولية. وانتهجت سلوكاً سياسياً مختلفاً تماماً عن سلوك شقيقاتها دول الخليج، من خلال إقامة تحالف استراتيجي بينها وبين الجماعات الإرهابية في المنطقة، وأضحت الراعي الرسمي والوكيل الحصري لها، حتى رأت فيها الوريث الشرعي للحكومات العربية. وعملت قطر وكأنها شركة عالمية تجد لها فروعاً استثمارية في كل مكان بالعالم لدعم أجندتها السياسية ونشاطاتها المشبوهة، وما كان ذلك ليتحقق دون استخدام ثنائيي المال والإعلام، المال السياسي عن طريق الجمعيات الإغاثية، والإعلام الإخواني عن طريق إمبراطوريتها «الجزيرة». من سورية إلى اليمن إلى ليبيا.. الأيادي القطرية تعيث فساداً تبنّي التطرّف بعد هجمات سبتمبر 2001م، وأثناء صراع المجتمع الدولي مع تنظيم القاعدة، قامت آلة الإعلام القطرية (الجزيرة) بتبني الفكر المتطرف وترويجه على أنه فكر مقاوم للهيمنة الإمبريالية الغربية، ونجحت في إيجاد حاضنة متعاطفة مع الفكر القاعدي، وساهم وقتها مراسلا الجزيرة من أصول إخوانية تيسير علوني ووضاح خنفر وغيرهما في تمرير تلك الأجندة، حتى أُطلق على تيسير علوني أثناء الحرب على تنظيم القاعدة أشهر مراسل حربي في العالم، واستقبلته الجزيرة بعد عودته من أفغانستان استقبال الفاتحين. الإرهاب القطري من الجمعيات الإغاثية إلى البروباغندا الإعلامية هذا السلوك القطري غير المسؤول دفع ثمنه المسلمون عموماً، والعرب خصوصاً، ليتم استغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال سن قوانين غربية ضيّقت على المسلمين والعرب في الغرب وفي مطارات العالم. ونجحت قناة الجزيرة القطرية أن تعيد الدور نفسه الذي قامت به مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، عندما منحت مساحة من بثها لتنظيمات متطرفة كداعش والقاعدة وحزب الله والحوثي والحشد الشعبي، ما دفع المتعاطفين مع هذه التنظيمات - نكاية بالغرب - من دعمها مالياً بشكل مباشر أو من خلال شعارات إغاثية إنسانية في ظاهرها ومتطرفة في باطنها، فتكتسب هذه التنظيمات الإرهابية تأييداً شعبياً في مناطق سيطرتها ليستمر الدمار والخراب والفوضى، ويفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية في مناطق النزاع، وتعمل حينئذ الأجندات الدولية في تحقيق سياستها. «الجزيرة» منبر لجماعات الموت.. و«المتأسلمون» ذراع الدوحة لضرب الاستقرار العربي كما نجحت الجزيرة في جذب الملايين لمشاهدتها، واستدرار عطف منظمات حقوقية عالمية مع انتفاضة الربيع العربي، واستغلت ذلك لتقديم البديل عن الحكومات المتمثل بالإسلام السياسي حصرياً، ووضعت المتعاطفين مع هذه المنظمات الإرهابية بين خيارين: الخيار الحركي المتطرف أم الخيار الإخواني؟ ولعبت هذه الآلة الإعلامية أثناء تغطيتها الربيع العربي دوراً كبيراً في ترويج الإسلام الإخواني كبديل مقبول دولياً، خصوصاً في الحالة المصرية. كذلك لا يقل عن الدور الإعلامي الهدام استغلال الجمعيات القطرية الخيرية والإغاثية الأعمال الإنسانية لدعم التطرف، ما أدى إلى حرمان المنظمات الإنسانية غير الداعمة للإرهاب من القيام بعملها في مناطق تشهد حروباً ونزاعات، أو على الأقل تقييد عملها وحركتها في خدمة المحتاجين لها. بينما نشطت الجمعيات القطرية في أماكن النزوح والهجرة، واستغلت حاجة النازحين والمهاجرين المعاشية والتعليمية لدعم التطرف وتمدده. واستطاع تنظيم الإخوان من خلال إدارته لهذه الجمعيات كسب تعاطف الطبقات الشعبية الفقيرة، وضمان أصواتهم الانتخابية في مصر وتونس وليبيا، ما أعطى تصوّراً للعالم أن هذه المجتمعات متصالحة مع الحل الإخواني. لذلك فاز الإخوان في مصر وتونس بالانتخابات الموصلة للسلطة، كما استولى إخوان ليبيا على المال والقرار، وإخوان سورية على جزء من مؤسسات المعارضة، وهيمنت المؤسسات الإخوانية على قوت وحاجات هذه الشعوب، واستطاع المال القطري شراء ذمم شخصيات علمانية لتكون الواجهة للإخوان أمام العالم حتى لا ينكشف أمرهم، وتحوّل الربيع العربي من حراك اجتماعي كسب تعاطف العالم إلى حرب أهلية دمرت البلاد وهجّرت العباد. ولا شك أن السلوك القطري في دعم الإخوان وإرهابهم خدم أيضاً النظام السوري الذي استغله وأطلق سراح آلاف الإسلاميين المتشددين المعتقلين في سجونه عام 2011م، ليشوه انتفاضة الشعب، ويكسب تأييد الغرب وسكوته بشكل فظيع عمْا تعرّض له الشعب السوري من قتل وتهجير. كما ظهر الموقف القطري منفرداً ومتناقضاً مع مواقف شركائه في مجلس التعاون تجاه ثورات الربيع العربي، إذ انتهجت قطر سياسة دعم القوى الإسلامية ممثلةً بحركة الإخوان المسلمين، والتنظيمات المتطرفة، وميليشيات إيران الإرهابية على حساب بناء دول وطنية ديمقراطية تعددية، كما حصل في مصر وليبيا وتونس وغيرها. فأرادت قطر من توظيف هذه الميليشيات الإرهابية، ودعمها مادياً ومعنوياً، لكسبها كقاعدة عمل لها لأداء دور إقليمي ودولي أكبر من حجمها. ويتضح للعالم أجمع أن لقطر سجلاً طويلاً في عدم تنفيذها قرارات أممية، أبرزها القرار رقم 2368 لعام 2017م، بشأن تنظيمي داعش والقاعدة ومنع تمويلهما. كما أنها لم تتعاون ولم تطبق الاتفاقية الدولية الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 54/ 109 في 9 ديسمبر 1999م، والاتفاقية الصادرة بتاريخ 10 يناير 2000م، وقبلهما قرار الجمعية العامة 51/ 210 في 17 ديسمبر 1996م، والتي أكدت كلّها على إدانة جميع أعمال الإرهاب وأساليبه وممارساته وتمويله. وعلى الرغم من تجريم دعم الإرهاب بموجب قرارات أممية إلاّ أن قطر تتجاهل قواعد القانون الدولي، ومستمرة في دعم الإخوان المسلمين والقاعدة والميليشيات الطائفية الإيرانية المدرجة عالمياً في قوائم الإرهاب. قطر وتأسيس الإرهاب بدأ سيناريو دعم الإرهاب وتشكيل منظماته مع قدوم الضابط القطري حمد فطيس المري إلى ليبيا، الذي كان مكلفاً من حكومة بلاده بقيادة الهجمات الإرهابية ضد المنشآت العسكرية في ليبيا، بمساعدة زملائه القطريين الذين تجاوز عددهم العشرين شخصاً جاؤوا من الدوحة للإقامة في فنادق ليبيا وفي مدينة بنغازي تحديداً، للمشاركة في إدارة ما سمي بتحالف إدارة الأزمة بمشاركة الإسلاميين الليبيين وقتها، غير أن الضابط الليبي عبدالفتاح يونس رفض ذلك التحالف لإدارة الأزمة، وأصر أن يكون أعضاؤه مواطنين ليبيين، ما دفع قطر أن تموّل جماعات على علاقة بتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة من أجل محاصرة الموانئ النفطية، وتطور الدعم القطري ليشمل فصائل إسلامية عديدة تديرها حكومة تابعة لتيارات دينية أبرزها تنظيم الإخوان الإرهابي. وأثناء لقاء مع صحيفة «جون أفريك» الفرنسية اعترف وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بدعم بلاده للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، قائلاً: «قدمنا الدعم للجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي ولم نكن نقصد ذلك»، مبرراً هذا الفعل أن المنحة القطرية كانت مخصصة للهلال الأحمر الليبي، لكنها ضلت طريقها فسقطت في أيدي الإرهابيين خطأ. لذلك كان المستفيد الرئيس من الدعم القطري هم الإرهابيون الذين ينتمي بعضهم مباشرة لتنظيم القاعدة، وأكد هذا الدعم العلاقة الوطيدة بين الدوحة والجماعات المتطرفة في ليبيا التي سيطرت على مخازن الأسلحة عقب سقوط القذافي. كما استخدمت قطر الجمعيات الإنسانية ومن أهمها جمعية «راف» للخدمات الإنسانية القطرية للشيخ ثاني بن عبدالله، لتكون حاضنة لتنظيمات إرهابية في ليبيا، حتى أصبح مسمى الميليشيات التي يقودها إسماعيل الصلابي، رجل قطر في ليبيا، «راف» أيضاً. ولا غرابة أن تعتمد قطر على شخصيات ليبية وضعت على قوائم إرهاب الرباعي العربي مثل الصلابي، أقوى رجال قطر في ليبيا، والذي قاد العديد من الميليشيات الإرهابية بدعم مالي وعسكري قطري. وظهر إسماعيل الصلابي في العديد من الفيديوهات وهو يقاتل ضد قوات القذافي، وبعد الإطاحة بالقذافي أسس بمشاركة شقيقه علي وبتمويل قطري أهم الميليشيات الإرهابية في ليبيا، والتي حملت اسم «كتيبة راف الله السحاتي»، وتمركزت في بنغازي، واستطاعت أن تسيطر على أغلب مناطقها، واغتالت العديد من علماء الدين والعسكريين والصحفيين والمثقفين والنشطاء. وارتبط إسماعيل الصلابي بعلاقات وثيقة مع الاستخبارات القطرية، والتي التقى مرات عديدة بمديرها غانم الكبيسي، وكان أهم هذه اللقاءات الاجتماع الذي عقد في 25 يناير 2014م بأحد فنادق الدوحة بحضور هاكان فيدان مدير الاستخبارات التركية، واتفقا على تقديم الدعم للميليشيات الإرهابية في ليبيا، والتي لا يتعدى عددها ال800 فرد بقيادة إسماعيل الصلابي. وظهر الصلابي بعدها بفيديو مشيداً بالدور الذي لعبته قطر في دعم مقاتلي الإخوان والقاعدة في ليبيا، والذي كانت أصابع الاتهام قد وجّهت إليه في اغتيال السفير الأميركي في ليبيا، وعلّق الصلابي في اليوم نفسه على هذا الاغتيال قائلاً: «قتل السفير الأميركي جاء لتعليمات الله التي نقلتها الملائكة إلى جنده في الأرض.... يجب من اليوم وصاعداً البدء في ضرب المصالح الأميركية والغربية في إمارة ليبيا الإسلامية، وليكون الشرق البداية لهذه الصحوة الإسلامية». وراحت قطر تغدق ملايين الدولارات على الشخصيات الإرهابية الليبية، ومن أهمها عبدالحكيم بلحاج، رئيس ما يسمى المجلس العسكري في طرابلس، أمير فرع تنظيم القاعدة في ليبيا سابقاً، والذي أسس حزب «الوطن» بأموال قطرية مهولة، واختار ألوان العلم القطري ليكون شعاراً له. كما دعمت قطر عام 2011م قائد كتيبة «ثوار طرابلس» المهدي الحراتي، وتلقت الكتيبة تدريباً ودعماً من القوات الخاصة القطرية في الجبال الغربية لليبيا، وفي عام 2012م، أسس الحراتي ميليشيات «لواء الأمة» القاعدية في سورية، وساعد قطر في العمل على تعطيل عملية استخراج النفط الليبي وتصديره للخارج، حيث تخطط قطر عبر شركات «أوف شور» للاستحواذ على حقوق استخراج النفط الليبي وبيعه. كما ظهرت صور فى منتصف عام 2012م للقائد الديني لسرايا الدفاع عن بنغازي الإرهابية الصادق الغرياني، مع ولي العهد القطري آنذاك تميم بن حمد آل ثاني. وساطات مريبة لم يكن التدخل القطري على خط الوساطة بين حزب الله وجبهة النصرة في سورية حدثاً طارئاً، فقد عرف عن الدوحة، ولعدة سنوات، دورها في التوسط بين الفصائل والميليشيات والجماعات الإرهابية في سورية وليبيا والعراق، وصولاً إلى بؤر الصراع المختلفة. لقد كانت قطر حاضرة في صفقات عديدة في سورية، ولعبت دور الوسيط بين ميليشيات إيران الطائفية وجبهة النصرة المصنفة إرهابية، على حساب الشعب السوري، وأبرز تلك الصفقات ما يعرف باتفاق البلدات الأربع المحاصرة (مضايا، الزبداني وبلودان، كفريا، الفوعة)، والذي نتج عنه تغيير ديموغرافي في سورية. وجاء هذا الاتفاق لمصلحة ميليشيات إيران الطائفية لإخلاء دمشق من سكانها السنة، مقابل تحرير أمراء قطريين محتجزين في العراق، حيث دفعت قطر مليار دولار لميليشيات إرهابية، بعد اختطافهم 28 أميراً قطرياً عام 2015م، ضمن مجموعة صيد، وذهبت الأموال إلى كتائب حزب الله في العراق المصنفة أميركياً إرهابية، وإلى الإرهابي قاسم سليماني قائد قوات الحرس الثوري. وتجاهلت قطر بتصرفها هذا قرار مجلس الأمن في يناير 2014م، والذي جرم دفع الفدية للإرهابيين، لأن مبالغ الفدية المدفوعة تعزز قدرتهم وتشكل مصدر دخل لهم، وتمثل حافزاً لارتكاب حوادث اختطاف طلباً للفدية في المستقبل. وعلى الرغم من تجريم مجلس الأمن هذا التصرف إلاّ أن قطر دفعت الفدية، وأصبح لدى الميليشيات الطائفية الإرهابية أموال تسمح لها بالقتل، وإشاعة الفوضى، وتعريض أمن الدولة للخطر. وأيضاً من صور دعم قطر للإرهاب لون علم قطر الذي ظهر خلف وزير الخارجية القطري، أثناء زيارته طهران، حيث تم استبدال لونه الأبيض والعنابي بالأبيض والعنابي القاتم، حداداً على قائد فيلق القدس المجرم قاسم سليماني، وهذا دليل على مواصلة الحكومة القطرية دعم الإرهاب، والسباحة عكس التيار العربي، متناسية دور المجرم قاسم سليماني بالمجازر التي طالت الشعب السوري والعراقي واليمني. كما انتهكت قطر مبدأ مهماً في استراتيجية الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب والتي نصت على: «إن الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية بجميع أشكالها ومظاهرها أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها، وتزعزع استقرار الحكومات المشكلة بصورة مشروعة، وأنه ينبغى للمجتمع الدولي أن يتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون من أجل منع الإرهاب ومكافحته». وقالت ناتالي جولت، عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي التي قادت لجنة حققت في الشبكات المتطرفة في أوروبا، وأعدت تقريراً لحلف الناتو عن تمويل الإرهاب، لموقع FoxNews: «يجب أن تكون لدينا سياسة أوروبية فيما يتعلق بقطر وأن نكون حذرين بشكل خاص في تمويلها للإرهاب». وأكد عضو البرلمان البريطاني إيان جونيور، الذي يتابع تمويل الإرهاب، «أن سلوك النظام القطري شائن، ويجب على الحكومة البريطانية التصرف بشكل حاسم». والواقع أن التمويلات القطرية لميليشيا حزب الله، تعود إلى العلاقة التاريخية ما بين الخميني وجماعة الإخوان، اللذين خرجا من معطف واحد، فالصلة قديمة ومتينة بين الرضيع والمرضعة. فنظر الإخوان المسلمون إلى ميلاد جمهورية الفقيه الإيرانية، باعتبارها نصراً لرؤيتهم، وأول حكم إسلامي منذ انهيار الخلافة العثمانية، كما أنّ إيران بدورها نظرت إلى جماعة الإخوان بوصفها وسيلة لتصدير الثورة الإيرانية، وإحداث فوضى في العالم العربي. وعند وفاة الخميني عام 1989م، أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان، حامد أبو النصر، نعياً جاء فيه: «الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة». حتى ظهر القيادي في جماعة الإخوان كمال الهلباوي بعد ثورة 25 يناير المصرية، جالساً بجوار علي خامنئي يمتدح الخميني والنظام الإيراني. وتواصل المدح والتقرب بين الجانبين حتى أكد وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي «أنّ الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية». علاقة مركبة يحلّ السفير القطري محمد العمادي كل شهر ضيفاً على غزة قادماً من مطار بون غوريون الإسرائيلي، حاملاً الأموال القطرية المقدمة شهرياً لرموز من قيادات حماس في قطاع غزة. هذه الأموال استغلتها قطر كورقة مساومة، ورهنتها باستقرار الأوضاع بين قطاع غزة وإسرائيل وإلزام حماس بذلك، كما هدفت من وراء هذه المساعي تحقيق أهداف ومكاسب سياسية قطرية في المنطقة، وفي المقابل تخدم أهداف إسرائيل. وأعلنت حركة حماس في 30 مارس 2018م عن انطلاق فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار عند الحدود الفاصلة مع الاحتلال الإسرائيلي للضغط عليه، وإنهاء الأزمات الاقتصادية والإنسانية المتراكمة في غزة، وسرعان ما تحوّلت الأمور إلى مواجهة عسكرية، دخلت قطر في أثنائها كوسيط، ونقلت الأموال إلى حماس لتهدئة الأوضاع خدمة لإسرائيل، وفي المقابل أنهت حماس أزمتها المالية، وأصبحت علاقتها مع قطر علاقة مركبة، فكلاهما بحاجة للآخر، حماس تبحث عن غطاء سياسي ودعم مادي، وقطر تحلم بتعظيم دورها والمتاجرة بالقضايا العربية. وعندما بدأت مفاوضات التهدئة طويلة المدى بين حماس وإسرائيل التي ترعاها مصر والأممالمتحدة، دخلت قطر لتلعب دور الوسيط بحكم علاقتها المتينة مع الطرفين، وسعت إلى إتمام التهدئة بصرف النظر عن اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، بشكل يتنافى مع توجه مصر التي تحاول رأب الصدع بين الفلسطينيين ثم التوجّه لمفاوضات أوسع مع الإسرائيليين، إلا أن قطر تناقض التوجّه عبر تجاهل المصالحة الفلسطينية وإغراء حماس بسيادة أكبر على القطاع مع الوعود باستثمارات كثيفة تشمل البنى التحتية، وبناء مطار بالقرب من إيلات في جنوب إسرائيل تحت إشراف أمني إسرائيلي، بالإضافة إلى مشاركتها في إنشاء طريق بحري من غزة إلى قبرص. ولا شك أن هذا الدعم القطري المتواصل لحماس أحدث انقساماً في الشارع الفلسطيني، فالكثير منهم عدّها تدخلاً سياسياً من قطر بهدف تعميق الانقسام الفلسطيني، وعدّ وقتها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن توقيع الاتفاق دون موافقة السلطة الفلسطينية سيكون غير قانوني وبمثابة خيانة. لذلك أدرك الفلسطينيون مخاطر الدور القطري على قضيتهم، حيث تعرض السفير القطري محمد العمادي خلال زيارة له إلى غزة نوفمبر 2019م، إلى الطرد والرشق بالحجارة، في حين أن إسرائيل التي سمحت بدخول الأموال عبر أراضيها، تدرك جيداً مكاسب إتمام المصالحة مع حماس وتقوية نفوذها بغزة عبر فصلها عن الضفة الغربية. الدعم الخفي بدأت رحلة الدعم الخفي الذي تتلقاه ميليشيات الحوثيين من النظام القطري، في مطلع الألفية الثالثة من خلال دعم الاستخبارات القطرية لحسين بدر الدين أثناء تلقيه دورات عسكرية في لبنان والسودان قبل حرب صعدة بأربع سنوات، وهي علاقة قطرية - حوثية موجهة ضد المملكة. واستمرت قطر في دعمها السري للحوثيين، من خلال تقديمها مبلغ 50 ألف دولار شهرياً عبر سفارتها في صنعاء للمعهد الديني الشيعي التابع لحسين بدر الدين في صعدة، ليرتفع هذا الدعم الشهري إلى 100 ألف دولار كان يجري تسليمها للقيادي الحوثي يحيى قاسم عواضه. وحولت قطر الميليشيات الحوثية من حركة محصورة في جبال صعدة إلى حركة سياسية إقليمية، وذلك من خلال وساطة رسمية بين الدولة والمتمردين في العام 2007م، ليتحقق لها هدفها الاستراتيجي في العام 2008م عندما رعت اتفاقاً بين الحوثيين والحكومة اليمنية، خولها لاحقاً، إضفاء الشرعية على الأموال الضخمة التي ضختها في تلك الميليشيات. كما زودت الحوثيين بمنظومة اتصالات عسكرية حديثة، ومناظير ليلية، ومعدات لتصنيع المتفجرات، وألغام، وصواريخ متوسطة، وتطوير المقذوفات الصاروخية للمدفعية، وغيرها من المعدات، حتى بات الدعم القطري للحوثيين يفوق دعم إيران، الأمر الذي شجع الحوثيين بمهاجمة حدود المملكة عام 2009م. وتكلل هذا الدعم القطري للإجرام الحوثي من خلال فتح مكتب لهم في الدوحة أواخر العام 2017م، والذي يعمل بصورة سرية، ويديره القيادي الحوثي أحمد الحمزي الملقب ب(أبي شهيد)، وذلك للتنسيق بين الاستخبارات القطرية والدوائر الحوثية الأخرى في صنعاء وسلطنة عمانولبنانوطهران وبعض دول أوروبا، كما تقدم قطر دعماً مالياً شهرياً للمكاتب الحوثية في الخارج. ويبدو أن الدوحة مصرة على التواصل في مسلسل التخريب داخل الصف العربي، معولة على أموالها وأدواتها لإحداث أكبر قدر من التعطيل في محاربة التنظيمات الإرهابية الموالية لإيران، وعلى رأسها ميليشيات الحوثي في اليمن، إذ قدمت مؤسسة «قطر الخيرية» الدعم للميليشيات الحوثية من خلال العديد من الحسابات البنكية، كبنك قطر الإسلامي، وقطر الإسلامي الدولي، وبروة، ومصرف الريان، وهو ما وسّع من نطاق المعارك بين القوات الحكومية وقوات الحوثي. كما عززت أموال الفدية التي قدمتها قطر للمنظمات الإرهابية في اليمن للإفراج عن الرهائن، قدرتها على الاستمرار والتوسع، واستطاعت قطر أن تُفرج عن الرهينة السويسرية سيلفيا إيبرهارت المختطفة لدى مسلحين في محافظة شبوة، ما أثار حفيظة وزير الخارجية اليمني الأسبق أبو بكر القربي الذي قال إن اليمن يرفض الإفراج عن الرهائن المختطفين مقابل دفع الفدية. وثمة أدلة عديدة تتحدث عن علاقة قطر المباشرة وغير المباشرة بالحوثيين، منها ما كشفه مؤسس حركة الحوثيين في صعدة التي يطلق عليها (حركة الشباب المؤمن) محمد عزان، إذ أكد أن هذه العلاقة بدأت خلال وساطة قطرية بينهم وبين الحكومة اليمنية عام 2007م، موضحاً حرص قطر على عدم انكشاف أمرها في دعمهم، وعملها لمصلحتهم. لذلك لا تستطيع قطر إنكار حقيقة علاقتها بالحوثيين في اليمن، على الرغم من محاولاتها الحثيثة لإخفائها، لأنها تعلم جيداً ما اقترفته هذه الميليشيات الطائفية الإيرانية من تدمير لليمن واغتصاب للشرعية فيه. وتحت اسم «مشروع دعم أطفال اليمن لطباعة الكتاب المدرسي» أعلنت جمعية قطر الخيرية عن مناقصة لطباعة الكتب المدرسية كمناهج بديلة في المدارس اليمنية التابعة لسيطرتها، بعد أن أضافت عليها ما يتلاءم مع توجهها وأفكارها، والتي تعرف باسم أفكار ولاية الفقيه، الأمر الذي أثار استنكار الحكومة اليمنية الشرعية، لما فيه من دعم لانقلاب الحوثي وترسيخ سياسته وأفكاره وشعاراته العقائدية المزيفة. وزادت علاقة الدوحة بالحوثي بعد تقارب قطروإيران، ثم إن إيرانوقطر تسعيان حالياً للمقاربة بين الإخوان والحوثيين، إذ تضغط قطر على الإخوان، فيما تضغط إيران على الحوثيين، لأجل أن تكون هناك تحالفات جديدة، من أجل إفشال التحالف العربي في اليمن. وبدأ الإخوان بدعم من الحكومة القطرية، بتنفيذ مشروع يهدف لتشكيل كيانات مسلحة في مدينة تعز، معادية لتحالف دعم الشرعية، يدير المخطط الإخواني القيادي في التنظيم حمود سعيد المخلافي المقيم في مسقط، والذي تولى مهمة تجنيد الشبان في المدينة تحت مسمى «الحشد الشعبي» في منطقة بني شيبة جنوب تعز، وآخر في مديرية المعافر. وأيضاً في معسكر «يفرس»، وبدأ التنظيم في إعداد ملفات عسكرية للمجندين لتحويلهم إلى ألوية عسكرية. وأنهت دول التحالف في عام 2017م مشاركة قطر في اليمن بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب، ودعمها لتنظيم القاعدة وداعش والميليشيات الانقلابية. واستمرت الحكومة القطرية في تمويل المشروع الإخواني، ودفعت رواتب المجندين، ووفرت احتياجات المعسكرات، ما دفع هذه الميليشيات الوليدة القيام بعمليات تهجير منظمة استهدفت صحافيين وإعلاميين وناشطين تحت لافتة مناطقية وعدم انتمائهم للمحافظة. صفقة مشبوهة وقعت شركة الخطوط الجوية القطرية عقد رعاية مع النادي الإفريقي لمدة أربع سنوات، بقيمة ثمانية ملايين دولار، فأثار العقد حالة من الاستياء والتذمر لدى الشارع التونسي، باعتباره صفقة مشبوهة، وتداخلاً بين السياسة والرياضة. ولكن في حقيقة الأمر أن هذه الصفقة الخبيثة سياسية تماماً، لأن قطر تريد من ورائها انتزاع مواقف سياسية من جماهير النادي، لتكوين ظهير شعبي لحليفتها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، مستغلةً الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها تونس، لانتزاع مواقف سياسية حتى ولو كان السبيل إلى ذلك لعبة كرة القدم. لهذا نجد أن القيادي في النهضة أحمد قعلول وزير الرياضة المقال من حكومة الفخفاخ، جمع رئيس النادي الإفريقي براشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، ومن هنا تبدو القصة واضحة وجلية، الدعم المالي مقابل الاستفادة السياسية من تصويت جمهوره الكبير، ما دفع الكثير من النشطاء التونسيين إلى وصف شركة «أوريدو» للاتصالات التي يرأسها القطري منصور الخاطر في تونس باللعنة السياسية على الجماهير الرياضية. وكان لوزير الاتصالات التونسية أنور معروف، المنتمي لحركة النهضة، عمل كبير يقوم به لتوطيد علاقات شركة «أوريدو» بالمؤسسات الرياضية التونسية، في سبيل تقوية حضور حركة النهضة بطريقة مخالفة للأخلاق السياسية. لذلك أمام تقهقر المد الشعبي لحركة النهضة، لجأت قطر إلى تفعيل أدواتها المالية لضرب استقلالية واحد من أكبر الأندية في تونس وشمال إفريقيا. ختاماً.. تحوّل الدعم القطري للإرهاب إلى أيديولوجيا وعقيدة سياسية تجذّرت في جميع مؤسساتها الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والخيرية، وتحوّل الدخل المالي الكبير الذي تتمتع به إلى نكبة على منطقة الخليج خصوصاً، والعالم العربي عموماً، ما ساهم في زيادة انتشار الإرهاب بشكل غير مسبوق، رافقته ولادة العديد من الجماعات الإرهابية تحت مسميات عديدة مدعومة قطرياً بالمال والسلاح. فضلاً عن احتفاء إمبراطوريتها "الجزيرة" بأفكار المتشددين من قاعدة وإخوان حتى تبقى أفكارهم سائدة في المجتمعات العربية والإسلامية وصاحبة الكلمة العليا فيها. إسماعيل الصلابي.. خنجر قطري مسموم في خاصرة ليبيا حمد فطيس المري.. رأس الخراب الليبي