قد نرى قريبًا موجة من المؤسسات والشركات تتوصل إلى قرار بتعهيد معظم وظائف أعمالها، كوسيلة لتعزيز الكفاءة وتخفيض التكاليف. ففي أعقاب الآثار الفادحة التي خلّفتها جائحة كوفيد 19 على الاقتصاد العالمي، بدأت حكومات وقطاعات بأكملها بالبحث عن سبل لتخفيض الإنفاق، بينما وجدت الكثير من الشركات الكبرى في كل مكان نفسها مضطرة لتسريح الموظفين وحساب كل بند من بنود الميزانية بشكل دقيق من الناحية الاستراتيجية، وهذا هو الوصف الأمثل لمزايا التعهيد، فهي المهام والمتطلبات التي يحتاجها عملك ولا يمكن أن يسير بدونها، ولكنها في نفس الوقت تعيق تركيزك على خبراتك الجوهرية، وبخاصة في هذه المرحلة التي يجب أن يكون التركيز فيها منصبًا على الاستراتيجية وابتكارات الأعمال وإعادة صياغة هياكل الأعمال الداخلية والخارجية على حد سواء. تعمل غالبية الشركات اليوم على تعهيد بعض وظائف أعمالها، بفضل توفر خدمات تقنية المعلومات التي تساعد في هذا التغيير. أما الآخرون فلا زالوا في طور تقييم جدوى التعهيد، بينما تحقق بعض الشركات تقدمًا ملموسًا في وتيرة التعهيد لديها. غالبًا ما تتماشى خدمات التعهيد مع المجالات التي تشهد نقصًا في أعداد الكوادر والمختصين، وتعد تقنية المعلومات واحدًا من أبرز الأمثلة على ذلك بالنظر إلى النقص في أعداد الخبراء في المجال. وفي هذه الحالة، يساهم التعهيد في حل العديد من المشكلات منها تخفيض تكلفة تطوير البرمجيات والاستعانة بالمختصين. وفي فترة الوباء، تتنافس عمالقة تقنية المعلومات على من يمكنه الصمود لفترة أطول في العمل من المنزل، لتثبت بأن نموذج المكاتب الكبيرة سريعًا ما سيتحول إلى ترتيبات أخرى أكثر عملية وديناميكية. كما أن هناك تساؤلات واضحة حول أهمية العلاقات الشخصية التي تجمع الزملاء في مكان العمل المادي وتساهم في بناء الفريق وتعزيز نجاح الشركة ككل، ولكن في الوقت ذاته توجد أمثلة حقيقية على عمالقة التقنية الذين بدؤوا عملهم بفرق تعمل عن بُعد، ومنها واتس آب وبرايسنا. فبالنسبة إلى واتس آب، تضمن العمل التعاون مع فريق لتطوير المنتجات في روسيا، وبهذا تمكنت الشركة الناشئة الجديدة من مواصلة تخفيض التكاليف عبر الاستعانة بالتعهيد في تطوير منتجها، بينما عملت الفرق في الولاياتالمتحدة على إدارة العمليات التشغيلية والتركيز على دعم العملاء. ولا شك في أن اقتصاد ما بعد الإغلاقات سيفرض عددًا من الفرص والتحديات الفريدة في بيئة العمل وطريقة الإنجاز. ونتيجة لذلك، تعيد الشركات وضع استراتيجياتها لتجني ثمار العمل في السوق وبناء الأصول الاستراتيجية طويلة الأمد وسط الفوضى. وفي الوقت ذاته، يغتنم الكثيرون فرصة انخفاض المنافسة ليدخلوا السوق، وستحتاج تلك المؤسسات الصغيرة لتقديم حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الحالية في القطاع وللحفاظ على مرونتها كأفضلية استراتيجية. وهنا يمكن للتعهيد أن يحقق قيمة فعلية عبر أنواع الخدمات التي تسمح بالتركيز على الاستراتيجية والعروض المتخصصة، حيث يتعامل شريك التعهيد لديك بجوانب الأعمال التي غالبًا ما تحتاج فريقًا كاملًا للتعامل معها، بينما تهتم أنت بالجوانب الدقيقة في إنجاز عملك الذي يحمل القيمة الحقيقية لمجال اختصاصك. كما أن الموارد البشرية واحدة من الأمثلة الهامة الأخرى على عمليات الأعمال القابلة للتعهيد، فهي مجال عمل قائم بذاته وجانب حيوي من أبرز ركائز الأعمال. شهدت وظيفية الموارد البشرية تطورًا هائلًا خلال العقد الماضي لتتجاوز مجرد إدارة شؤون الموظفين، فالإدارات الناجحة للموارد البشرية تعمل بشكل مستمر على تحقيق القيمة عبر انخراط الموظفين وسرعة التحليل وإعداد التقارير، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على المرونة واتخاذ القرارات الاستراتيجية السريعة للتغيير. وتزداد اليوم أهمية مواكبة المؤسسات للتغيرات المستمرة بينما تزداد سيطرة التكنولوجيا على مزيد من مجالات العمل. فالتقارير المالية ولوحات القياس والرواتب وإدارة الإجازات وإدارة شؤون المزايا والمستحقات جميعها ضمن قائمة متنامية من عمليات الأعمال القابلة للتعهيد. وعندما يصبح التعهيد ممارسة مؤتمتة، تنخرط المؤسسات والشركات في الأعمال اليومية لتصبح جزءًا من نمط يسير بسلاسة تامة، مما يساهم في التقليل من التوتر المرتبط بالعناصر التشغيلية المتكررة أو المعقدة، والتي يحتاج الرؤساء التنفيذيون ومالكو الشركات والمديرون إلى إسنادها لجهة أخرى ليركزوا على تحقيق أهداف الأعمال. وفي ظل تزايد التحول الرقمي والعمل الافتراضي وسهولة التعهيد، فإننا الآن نمتلك واحدة من أفضل أدوات ممارسة الأعمال، كما يمكننا تحويل تلك الفرصة إلى مزيد من فرص تحقيق القيمة.