منذ أربعين عاماً، ثبتني بمسامير على جدار حائط في مجلسه حيث يستقبل الضيوف كنت انعكاساً لشبابه وفتوته كان ينظر إلي مبتسماً باعتزاز الرجولة وكان يتباهى أمام رفاقه بصورته المتصدرة في داخلي مرت سنون، ثم انتقلت إلى الجانب الأيسر في حجرة نومه. كان يغادرني طوال الصباح ولا يعود إلا بعد الظهيرة. لم يعد يعيرني جلّ اهتمامه.. تغيرت ملامحه، وبالكاد صار يتعرف على الآخر بداخلي، كان يطالعني بأسى، نضب بريق روحه لم يعد يغادر الغرفة إلا مع تكبيرات الجمعة والأعياد صلى جالساً بعد أن كان يقوم بالصلاة سكنت على ذاك الجدار عمراً.. كنتُ أسمع تلاوته للقرآن في الثلث الأخير من الليل وفي أثناء النهار، كنت أسمع نداءه.. محمد... عبد الله.... سارة.. كثيراً ما نادى وقليلاً ما رد النداء أحدهم تعالى البكاء في الحجرة الكل حول صاحبي، ينتحبُ بمرارة حظيت بعدها بقبلات طُبعت على مساماتي الزجاجية، ثم وُضع شريط أسود على أحد أركاني المدببة، ثم تُركت في زاوية مقيتة... وكلما حضر أحد المعارف أشاروا إليّ كتحفة أثرية يعلوها غبار النسيان.