المناهج الدراسية في مدارسنا تقوم على ضخ وحشر أكبر قدر ممكن من المعلومات الجافة والغير النسقية التي تفتقر إلى ماء ونسغ الحياة. بالتالي، لم ندرس الأدب على أي نحو مرضِ. فالقراءات الأدبيّة في شتى أنواعها كفيله بأن تعيد لنا الإنسانيّة ولأرواحنا الحياة وتطلق العنان لعقولنا لتسبح في خيالات عميقة. الأدباء الكبار خرجوا من رحم الواقع ثم يثورون على هذا الواقع بغيّة أن يحررونا من ظلام وسوء ودناءة وتعاسة وبذاءة وبؤس هذا الواقع ولكن بطريقة أدبية جميلة. لعشّاق الأدب علاقة عاطفية مع الرواية. فقراءتها تعزز المفردات وتزيد من حدة العقل وتوسع الآفاق الفكرية والتركيز على كيفية تحسين معدل الذكاء والمحصول العاطفي لدينا كما يتطلع العلماء إلى شرح ما يتعلق بالخيال الذي يحسن صحتنا العقلية. قبل ثلاث سنوات، وجد الباحثون في المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية رابطًا بين ما يسميه علماء النفس "نظرية العقل" وهي القدرة على معرفة ما يفكر فيه أو يشعر به شخص آخر، وقراءة مقطع من الخيال الأدبي. حيث أن القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون أمرًا بالغ الأهمية لبناء العلاقات الاجتماعية. فبالرغم من أن القراءة هي نشاط انفرادي، إلا أنها يمكن أن تحسن حياتك الاجتماعية. حددت دراسة حديثة أخرى، من جامعة مونستر الألمانية، جانبًا اجتماعيًا منفصلًا للقراءة أن أولئك الذين يتصفحون ما لا يقل عن 18 كتابًا في السنة، يتباهون بكتبهم في الأماكن العامة أو على أرفف مكتبتهم الخاصة كوسيلة للتواصل مع شيء ما عن أنفسهم في محاولة لتشكيل الهوية والتعبير عن الذات. تقول الدكتورة سعاد العنزي أستاذة النقد الأدبي الحديث في جامعة الكويت وعضو تحرير مجلة إبداعات عالمية ورئيس تحكيم الدورة الثالثة بجائزة الملتقى الثقافي أن الرواية هي الجنس الأدبي الأحب بالنسبة لي، تفاصيلها تشدني، عوالمها الإنسانية تحرك بي رؤى وتصورات، أسافر معها من دون تذكرة وحقائب سفر وحدود ومطارات. شخصياتها الخالدة تبقى معي على مدى بعيد، أحلل الشخصيات من حولي في ضوئها. تخرجني الرواية العظيمة دوما من حالة إلى حالة. تملأ كوني الوحيد بالحكايات، تخصب ذاكرتي بحياة الأمم والشعوب. كثير من الروايات الرومانسية جعلتني أتطهر من مشاعري السلبية، والرواية الواقعية زادت من حدة إدراكي للواقع، أما الروايات الفلسفية ذات النزعة التقويضية ما بعد الحداثية أخرجتني من عالم الصمت والعزلة إلى عالم الوجود والكتابة. يقول الدكتور علي الضميان رئيس قسم الإعلام وعلوم الاتصال في جامعة الطائف أن الرواية خلاصة تجارب البشرية وتختصر للعقول الاتجاهات الفكرية. تقول الكاتبة السعودية ندى الهذال التي صدر لها كتاب الوتر السابع: أن الرواية هي جنس أدبي يسرد أحداث إما إن تكون ضرب من ضروب الخيال والفنتازيا أو واقعاً حقيقاً وملموساً .لسنا هنا بصدد ذكر أبرز الرواة والأعمال ولا للحديث عن أنماط وأشكال الرواية وخصائصها أنما أثرها وتأثيرها على ذات القارئ ومداركه .فتتوارد النصوص والمشاهد والشخصيات في الرواية فإما تستفز القارئ بجمال حبكتها أو جزالة لغتها وثراءها أو ذكاء وجمال شخوصها أو تسبر أغوار ذاته بعلاقاتها الإنسانية داخل النص وتجعله يعيش في تفاعلات أو تأزمات نفسية متتالية للترك روحه وعاطفته بعدها جياشة متأمله ومنطقه أكثر عمقاً ووعياً من السابق، أو قد تتركه في نهايتها مع تساؤلات سردية أو فلسفية مجردة أو غير ذلك مما يأخذه بعيداً إلى فضاءات وعوالم تجعل تصوره للحياة مختلفاً. تقول الكاتبة مشاعل الجميل الراوية لاتزال تحتل مكان كبيره منذ القدم والى الان. من يقرأ للرواية هو إنسان هاوي محب يمتلك ذائقة أدبية وفكريّة. ومتى ما كانت الرواية على العكس من هذا يكون الأثر سلبي وسلبي جداً فتكون مجرد كلمات على أسطر لا تفيد بل هي مضيعه للوقت. الرواية تمتلك سر عجيب بينها وبين القارئ حيث تأخذه الى حيث السطور والى ما وراء السطور ينظر لنفسه وكأنه جزء من هذه الرواية وهنا يكون التأثير قوي جداً الى درجه انه يفكر في النهاية كيف ستكون، قبل ان ينتهي من قراءتها ويضع نفسه جزء منها. أن الارتباط وثيق وقوي لا يوجد بأي عمل أدبي أخر لأنها تفهم الإنسان ودوافع الإنسان ونقاط قوه وضعف الإنسان فتلامس ذلك كل، فلا تلوموا من يجلس لوحدة ليقرا رواية، أو من يخرج لنزهة وينسى من حوله متعمقاً بتلك الرواية، أو من يمسك كوب قهوة ومعه رواية أو من يسهر الليل ممسكا بتلك الرواية. الروايات تعتبر فرعاً من علم النفس كما هي فرع من التاريخ. فقراءتها أفضل مثال على مقولة العقّاد ذائعة الصيت، حينما سُئل: لماذا تقرأ؟ كانت إجابته: ((أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني)).