في رواية " أبناء ودماء"، الصادرة حديثاً عن دار الساقي للروائية لمياء بنت ماجد، يتخضب النص الأدبي بالبعد العاطفي و باللعبة البوليسية التي تأخذ القارئ إلى البعد التشويقي، وقد قدمت المؤلفة نصها في عوالم مخملية ممتلئة بالهموم والصراعات الإنسانية، كما استطاعت الساردة، وبلغة مباشرة، أن ترسم شخصيات روايتها وتجعل من شخصية " ليال " شخصية محورية تستحوذ على الفعل الدرامي للنص لتشكلها في نموذج لا يغادر الذاكرة. و في هذا الحوار مع المؤلفة نتعرف على ملامح تجربتها الروائية الأولى: * في الفصول الأولى من الرواية كانت الساردة تستعرض تاريخ أبطال روايتها، لكن هذا الاستعراض السردي كان سريعاً ومختزلاً. كذلك كان السرد يحمل طابع الهدوء فلم تتحرك الأحداث ولم تتصاعد إلا بعد وفاة شخصية منال، وسؤالي هنا، هل كانت الساردة تهيئ القارئ لما سيحدث بوفاة منال؟ وهل تجدين تلك المقدمة ضرورية؟ - بالطبع هذه المقدمة كانت مهمة، فهي حجر الأساس لبناء أحداث الرواية، كما أنني بطبعي عاشقة لوصف التفاصيل التي طالما جعلتني أشعر بأنني أعيش مع الروايات التي كنت أقرأها. قد يكون هذا سبباً آخر جعلني أنتهج نفس الأسلوب في الكتابة. منطقياً لابدّ من وجود مفاجأة لتحريك الأحداث، وهى وفاة التوأم منال بتلك الطريقة المأساوية وما تبع ذلك من تدفق في الأحداث. * عنوان الرواية " أبناء ودماء "، وهو في تصوري عنوان كلاسيكي وكاشف للنص. ماهي رؤيتك في اختيار هذا العنوان لروايتك؟ - لم يكن هو العنوان الوحيد الذي طرحته كخيار لروايتي، لكنه هو الأقرب لقلبي. وعموماً فإنني أكره التصنيفات الأدبية كالكلاسيكية والحداثية، وقد يكون العنوان ناقصاً ورمزياً وقد يراه البعض جذاباً ويراه الآخر كلاسيكياً ويعدّه آخرون كاشفاً للنص. كل هذا راجع لذوق القارئ وفكره. * تدور أحداث الرواية داخل القصر. كان العالم الخارجي مغيباً. لماذا هذا الاكتفاء بعوالم ما وراء السور؟ - بالطبع قصدت تغييب العالم الخارجي لأن ما وراء الأسوار هو الرواية، وما يدور داخل نفوس قاطنيه هو أوتاري التي ألعب عليها.لا يوجد أمتع من التبحر في النفس البشرية . من الطبيعي أن أنحاز لشخصية «ليال»، فهي بطلتي ومفتاح النص * اللغة الروائية كانت تحمل طابع المباشرة. هل في تصورك أن مثل هذه الرواية بأحداثها تتطلب مثل هذه اللغة المباشرة ؟ - اللغة سهلة ومباشرة بالفعل، فلم أستعرض عضلاتي اللغوية على القارئ. إن طموح كل كاتب هو أن يصل بفكرة لأكبر عدد ممكن من القراء وأن يستمتع القارئ بما قرأه ويرضيه. هذا هدفي ولهذا أتخيل أن لغة الرواية لغة السهل الممتنع المبرر. * إذا كانت شخصية جاسر تأخذ شكل الشرير الجذاب، فإن شخصية تركي تأخذ شخصية الشرير الكلاسيكي، وقد وجدت أن الساردة استطاعت إقناعنا بسطوة الشر المتمثلة في شخصية جاسر بينما كانت أقل في شخصية تركي. هل جاء هذا التباين لأن الساردة كانت أكثر قدرة على كتابة الشخصيات الشابة في الرواية؟ - أخالفك الرأي. بنيت الشخصية من الأساس على أنه إنسان اتكالي، أناني، وغيور لا يتحمل المسؤولية فمن يحمل تلك الصفات لا يمكن أن يصبح إنسانا طيباً ودوداً، لكنني أتفق معك أنها لم تظهر قوية إلا بعد عودة جاسر إلى مسرح الأحداث وهذا طبيعي لأن ظهور تركي في مسار الرواية قد تضاعف بمرور الأحداث مما استدعى تسليط مزيد من الضوء حوله. * شخصية ليال، في تصوري، أنضج شخصيات الرواية. كانت شخصية ناضجة سردياً وملامحها الداخلية تشي بتناقضات بين الضعف والقوة، بين التمرد والمهادنة. كيف تقرئين هذه الشخصية وكيف استطاعت ان تأخذ كل انحيازك لتكتبيها بهذه البراعة؟ - من الطبيعي أن أنحاز لليال، فهي بطلتي ومفتاح الرواية. ربما شعر البعض إنه يعرف تلك الشخصية، فهي متناقضة مثلها مثل أى إنسان في الدنيا، فالتناقض سمه البشرية وكل حاله نعيشها ما هي إلا انتصار أحد الأضداد على الأخرى. إما أن ينتصر الخير أو الشر وفقاً للأجواء والظروف وتفاصيل الحياة التي تمر. * الشخصيات الهامشية مثل البستاني عبده والدادة حميدة كانت شخصيات في الظل، لكن كان لها حضور قوي في السرد، ما هو تصورك في كتابة الشخصيات الهامشية في الرواية؟ - كل كاتب يستوحي بعضاً من الشخصيات من الواقع، فشخصيات الرواية الهامشية كانت بالنسبة لي مفاتيح مهمة يجب استعمالها بحرص ودقة حتى لا تفقد أهميتها وتظهر بهذا الأداء اللافت ولا أحسب أن شخصية عبده أو حميدة كانت هامشية بالمعنى الكامل بل كانت تظهر ثم تخفت ثم تظهر وسرعان ما تخفت مجدداً وهكذا، وفى كل ظهور كانت تتألق في حضور مهم يجلب معه مزيدا من المفاجآت وهذا من شأنه أن يمنح هذه الشخصيات بريقاً تستحقه في بعض فصول الرواية، وهو بريق لا يختلف، في رأيي، عن ذلك الذي استحوذت عليه بطلة الرواية نفسها. * بينما كانت منال حاضرة في السرد، كانت ليال غائبة أو متوارياً حضورها، لكن بعد وفاة منال وجدنا الحضور الطاغي لليال، بل إنها تحركت في المجال العاطفي الذي كان لمنال وارتبطت بدرجة متفاوتة مع بسام وجاسر. هل نقول إن ليال عاشت الحياة المفترضة التي كانت مقدرة لمنال ؟ - لا نستطيع قول ذلك. هما توأم لكن يختلفان كل الاختلاف فإذا كان العكس هو ما حدث والتي قتلت هي ليال من المستحيل أن تسير الرواية في نفس المسار لاختلاف الشخصية فحضور ليال الطاغي ما هو إلا نتيجة طبيعية لوفاة توأمها بتلك الطريقة البشعة، وهو الفتيل الذي أشعل تلك الشخصية. * بعد وفاة منال عطلت الساردة شخصيات الأم والأب. حكمت عليهما بالعزلة والصمت وأصبحا في عداد الموتى. هل هذه حيلة سردية من الكاتبة لإفساح المجال لشخصية ليال بالاستيلاء على محور السرد، أم أن تلك العزلة لها مبرر آخر في تصورك؟ - عندما أبدأ بالكتابة لا ألجم قلمي، بل أتركه يتحرك بحرية إلى أن ينتهي القلم نفسه من الكتابة، ولكن في هذه الحالة أرى أن الأم لها سبب والأب له سبب مختلف، لكنى لم أتقصد ذلك. * كان التشويق حاضرا في السرد، وما بعد حادثة الوفاة كانت اللعبة في تأجيل كشف ملابسات الحدث. هل نقول أن الساردة خضبت النص بالحس البوليسي؟ - لم أتعمد ذلك أبداً، لكني عاشقة للتشويق وربما يكون ما أختزله في عقلي من مخزون قراءاتي أو الأحداث المتلاحقة والمثيرة التي نراها جميعا من حولنا قد عزز هذا الحس. أقول ربما، لكن الإنسان بطبعه يحب ما يعمل عليه ليجده وليس ما هو سهل أمامه فيأخذه وأنا سعيدة أن أغلب من قرؤوا الرواية أكدوا أنهم قرؤوها دفعة واحدة ولم يستطيعوا تركها إلا بعد الانتهاء منها. * النهاية كانت مباغتة للعيون الست التي كانت تنتظر الرصاصة، ونجد أحدهم يهوي بعد إطلاق النار دون أن يسمى ذلك الشخص. تلك النهاية جعلت النص يبتدئ من جديد وتجعل القارئ يستعيد قراءة النص ليصل إلى نتيجة من هو أحق بالعقاب؟ كيف هي قراءتك لمشهد النهاية في الرواية ؟ - قراءتي هي نفس استنتاجك، كي يستعيد القارئ شريط الأحداث ويفكر أكثر في من يستحق تلك الرصاصة فتكون النتيجة رسوخ الرواية بعقله. أيضا من المستحيل في نهاية رواية كتلك أن ترضي كل من يقرأها فأحببت أن أترك الخيار لك، أحكم أنت بالإعدام على من تراه يستحق والبطلة نفذت حكمك. * لاحظت أنه لم يكن هناك تحسس في تقديم حالة الثراء المادي لشخصيات الرواية التي تمثل النموذج الارستقراطي، لكن المفارقة أن هذا النموذج عندما تم كتابته من روائيين وروائيات آخرين تم تقديم حالة الثراء على أنها حالة سلبية، بينما في روايتك لم يكن الأمر كذلك. كيف ترصدين هذه المفارقة بينك وبين الروائيين الآخرين في كتابة هذه الحالة الارستقراطية ؟ - لا أعتبرها مفارقة فلكل مبدع وجهة نظره ورؤيته الخاصة في تصوير الشخصيات وتحريكها بطريقة تخدم القصة، كما أن براعة الكاتب تظهر في مناطق كثيرة كأسلوب كتابته فمثلاً هناك من يسهب فى الوصف لتوصيل إحساس معين أو رسالة ما وهناك آخر يكتفي بسطر واحد يمتعك ويجعلك تشعر أن السطر كفاك عن 1000 كلمة والحمد لله إنني ممن استطاع أن يوصل الإحساس مع العلم أنك أثنيت على تقديمي للشخصيات الثانوية كالبستاني و الدادة و هما من طبقه اجتماعية بسيطة جداً والحمد لله أنني برعت في الاثنين الأرستقراطية والبسيطة على حد قولك. * في الرواية شخصيات سلبية تماما كشخصية عادل وبسام وسارة. هذه السلبية كانت ترافق تلك الشخصيات طوال النص، لكنهم كانوا في حالة باهتة كنماذج روائية. هل ترين أن كتابة الشخصيات التي تحفل بالتناقضات والتضاد كشخصية ليال وجاسر تجعلها تلتصق بذاكرة القارئ أكثر من تلك الشخصيات السلبية؟ - ليس بالضرورة . فتعميم الأحكام في الكتابة الإبداعية أمر صعب بل أحسبه من المستحيلات، لأن لكل نص ظروفه الخاصة التي تختلف من مبدع لآخر، لكننا نحبذ الشخصية التى تميل إلى التمرد والجدل وصاحبة المبدأ وهذا كان متحققاً في الشخصية المحورية للرواية مما يجعلها تلتصق كما تقول في ذاكرة القارئ لكن في الوقت ذاته لا يعنى ذلك أن بقية الشخصيات كانت باهتة أو سلبية، بل تم توظيفها في الحدود التي خصصتها لكل واحدة منهم فأنا أحرك شخصياتي بطريقة سينمائية تماماً مثل المخرج الذي يختار أبطال فيلمه الرئيسين ثم الأبطال المساعدين ثم الكومبارس وفى النهاية لا يكتمل العمل إلا بهؤلاء جميعاً.