خريجة كورونا.. هي العبارة التي ترددت على أُذني طيلة أيام الدراسة خلال أزمة فيروس كورونا، لكن المغزى الحقيقي لها هي المزاح أو بما يسمى في مجتمعنا ب (الطقطقة) حقيقةً يسعدني ويضحكني كثيرًا، فيحق لي أن أسعد بتحقيق حلم قضيت طفولتي وكل مراحل دراستي في التفكير كيف يمكنني تحقيقه والوصول إليه. نعود إلى الخلف قليلاً فقد كنت طفلة يملؤها الفضول والأمل وحب معرفة كل الأخبار، حب اكتشاف ما هو جديد وحب للاطلاع والقراءة والسؤال عما يخطر في بالها وعما تريد أن تعرف إجابته دون تردد حتى اتضحت لي معالم شخصيتي أنني صحفية بالفطرة، قد كانت صحافة الطفولة صحافة البحث عن كل شيء لمعرفة كل شيء، قد لا تكون آنذاك الموضوعات التي تبحث عنها طفلة ذات أهمية فذة لكنها تمتلك الكاريزما والروح الشغوفة الإعلامية، هي صحافة أن يكون لي صوت مسموع وقلم معروف بأحرف تخط نص الحقيقة في الخبر، وتناقش أمراً يهم المجتمع، قد كانت شخصية صحفية بامتياز ولكنها لم تهذب وتصقل وتنضج حتى قررت أن تكون جزءا من صوت السلطة الرابعة؛ وهو الإعلام. وما أن تخصصت في قسم الإعلام والاتصال -إذاعة وتلفزيون في جامعة الملك خالد بأبها-، حتى التقيت بالصحفية الصغيرة التي بداخلي تبتهج لأنها في مكانها الصحيح لتأخذ كأسًا من نبع عميق وهي دراسة الإعلام وتحقق أملاً وحلمًا لم يكن مكتوبًا على الورق وكفى بل كان نصبّ عينيها دوماً، مضت سنين الدراسة كلمح البصر وكانت ممتعة وتحمل في طيّاتها الكثير من الذكريات الرائعة والشيقة. حتى أتى فصل التخرج وبمخيلتي أن من قضى سنين من الدراسة لا يحلم أن يتخرج في أزمة كأزمة الكورونا، لا أخفي سراً أنه تملكني الخوف كثيرًا فكيف سأنهي مسيرة البكالوريوس من تخصصي وتحقيق حلمي بهذه الطريقة، هل سأتخرج لوحدي من المنزل! شعرت أن الفرحة ناقصة وما أن تقبلت الوضع قليلاً حتى تكالبت عليّ ضغوط الدراسة عن بُعد وشعرت أنني سأدخل تحديا جديدا ولا مخرج من ذلك إلا بالسيطرة على النفس، حينها تذكرت أنها أزمة وبالتخطيط والتنظيم والتفكير السليم تُدار الأزمة وتنجح في اجتياز الخطر، وبالفعل بعدالالتزام والترتيب لكل أمر، ظهر لي أن ليست الأزمة عامةً فقط، قد تمر في أزمة تختبر مدى قوتك وقدرتك على إدارتها بالشكل الصحيح، وبعد العيش ليلاً ونهارًا ساهرة أمام شاشة الجوال والكمبيوتر في ظل كل تلك الضغوط لم يمنعني أي ظرف كان من أن أكون إعلامية بشهادة حقيقة ومعتمدة.. كان الصبر والتوكل على الله والاجتهاد والأمل ودعاء الوالدين مفتاح لكل كرب فالله لا يعطي أصعب المعارك إلا لأقوى جنوده. الجميع تكاتف خلال الأزمة بدايةً من الطالب الساهر على شاشة الكمبيوتر لينال جُهده، والمعلم يجتهد لإيصال المعلومة، والطبيب المناوب في طوارئ المستشفى، ورجل الأمن الذي يقضي ليله في نقطة التفتيش حافظاً على الأمن، نهايةً بالعائلة التي تصنع جواً من الحب داخل الحجر المنزلي. فلا نستغرب من تكاتف الشعب ككل من مختلف المهن والمراحل العمرية والتزامهم بالتعليمات الاحترازية، لأن ذلك الوعي أتى من دور المملكة العربية السعودية التي كان شعارها (الإنسان أولاً). فقد كان لها القرار الأول والخطة الأنجح في التعامل والتنفيذ، سطرت لنا أقوى وأجمل معاني الحكمة في مواجهة أعنف جائحة وباء تجتاح البشرية، حيث إن روح المواطن السعودي والمقيم على أرضها كان أثمن من كل شيء. فما زلت أفتخر أنني تخرجت خلال هذه الفترة في ظل عائلتي، وأمان وطني وتوفيره لكل متطلبات دراستي، وبرفقة أصدقاء الدراسة والمهنة مستقبلاً بإذن الله.