تعج الشاشات بأخبار الحروب والأزمات، خاصة هذه الأيام مع توالي مشاهد الأطفال الضحايا والجرحى في قصف الطائرات التركية لمدينة الزيتون الوادعة عفرين، بينما يواصل برنامج «ذا فويس كيدز» على شاشة «أم بي سي» رسم البسمة والبهجة على وجوه الأطفال المشاركين وعلى وجوهنا جميعاً، كباراً وصغاراً، إذ يُخرجنا البرنامج ولو لساعتين فقط من أثار الحروب وظلامية الإرهاب وظلام الاستبداد نحو عالم الطفولة والبراءة والإبداع وبما يشبه استراحة للمشاهد من مناظر الدم والقلاقل والكوارث. والحال إن البرنامج عبر عينة المشاركين فيه يظهر أن الأطفال ما عادوا أطفالاً، وفق النظرة النمطية المعهودة لهم كقصر، لا يعون شيئاً وبحاجة للإرشاد الوعظي الجاف والجلف، فحركاتهم ومواهبهم وأصواتهم وأحاسيسهم تكشف عن ذوات مرهفة وراشدة وطامحة نحو السمو والإنجاز والتميز. فالطفل المعاصر، أو لنقل طفل القرن الحادي والعشرين، بات طفلاً رقمياً مبدعاً بالتعريف، وهو بالكاد يحبو فيتعاطى مع التكنولوجيا والأنترنت والهواتف الذكية ويتفاعل، ويغدو صاحب ذائقة بصرية وسمعية، له اختياراته ومفضلاته من موسيقى وأفلام كرتون ومقاطع طريفة، وهلم جرا. فالكومبيوتر اللوحي مثلاً بات لازمة من ركائز عالم الطفولة، الأمر الذي ينمّي مدارك الأطفال وطموحاتهم وأحلامهم ويوسع آفاقهم، فكأننا حيال طفولة عابرة للطفولة التقليدية إن صح التوصيف بمعنى تطور الشخصية المعنوية والذهنية للطفل وارتفاع منسوب الذكاء المعرفي والسلوكي الجامع الفطرة والاكتساب. فالطفلة المتبارية الصغيرة التي تتغزل بلحية كاظم الساهر والطفل المتسابق الذي يحاول «تطبيق» نانسي عجرم عبر إيماءاته ونظراته لها في سياق أدائه الأغاني على المسرح، كلها إشارات تعبر عن الاحترافية والدهاء الممزوجين بعفوية طليقة لدى هؤلاء الأطفال المتسابقين، وعن محاولاتهم ببراءة طفولية معجونة بحذاقة ومكر بالغين التودد إلى أعضاء لجنة التحكيم ومخاطبة مكامن كسب عطفهم وإعجابهم، وتالياً كسب كبساتهم الأثيرة على أزرار دوران كراسيهم ومن ثم الاختيار. البرنامج عابق بالاحتفاء بقيم الطفولة السامية وعوالمها السحرية، وهو فسحة لاكتشاف مواهب الأطفال وصقلها وتقديمها لملايين المشاهدين الذين بات موعدهم الأسبوعي مع البرنامج محسوماً لمتابعة أطفال - نجوم يزرعون الفرح والأمل في كل بيت، ويحفزون أقرانهم خارج الاستوديو على طرق أبواب النجاح والتميّز والصعود في كل مجالات الحياة. يحق لأطفال عفرين أيضاً ممن تسحق أجسادهم الطرية وأرواحهم النقية نيران الحقد والقتل، يحق لهم ولكل أطفال العالم ممن يعانون الحروب والإبادة والتجهيل والإفقار والكبت أن يعيشوا طفولتهم، وأن يحلموا ويطمحوا مثلهم مثل نجوم - أطفال «ذا فويس كيدز»، فالطفولة قيمة عليا وحمايتها وبنائها وصقل قابلياتها واكتشاف مواهبها واجب أول على عاتق الأسرة والمجتمع.