عندما تقرأ القرآن الكريم، وتطالع السنة النبوية تجد زخماً هائلاً من الألفاظ والمعاني التي تدعو وترغب الإنسان في التحلي بثقافة الشكر والامتنان لله عز وجل، والهدف منها أمران: الأول استبقاء النعم وزيادتها لأن الشكر يحفظ النعمة قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم: آية 7.، والثاني: التأمل في النعم الموجودة والاستمتاع بها قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم: آية 32. يتمتع الكثير منا بنعم فقدها الكثير من الناس، ومع ذلك تجده لا يشاهدها فضلاً أن يتأملها فيشكرها، فمثلاً نعمة الأمن والأمان، ونعمة عافية البدن والصحة، ونعمة الحياة العفيفة الكفيفة التي يبحث عنها كثير من الشعوب والمجتمعات القريبة منا، فعدم شكر هذه النعم على وجه الخصوص إما أن يكون جهلاً من غير عمد أو تجاهلاً بعمد رغم وجود حديث صريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن أهمية تلك النعم الثلاث حيث قال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا". ساقني إلى تسطير هذه المقالة المختصرة أمران: الأول، تذكير نفسي وحمد الله على نعمه الظاهرة والباطنة. الثاني، قصة نقلها لي صديق وقعت قبل بداية منع التجول (قبل شهر رمضان) لم يعلم صاحبها بها إلا في نهاية شهر رمضان، حيث اتصل على زميل له يبارك له بعيد الفطر المبارك ويسأله عن أخباره، ثم شكى المتصل تذمره من فترة البقاء في المنزل، فرد عليه الآخر: هل تعلم من أين أكلمك؟ قال: لا. قال من المستشفى. فسأله المتصل سلامات! فرد الآخر: صار معي حادث قبل رمضان وحصلت لي كسور وإصابات قد أحتاج أكثر من سنة للتشافي منها، ثم علق: وأنت متذمر من جلسة البيت! احمد ربك على النعمة؛ راتب وأمان وصحة وجلسة في البيت. قصة واقعية تجعلنا نردد ونقول: ما أجمل العافية! وهي أن يكون الإنسان صحيح الإيمان ومنعماً بالأمن في الأوطان وسليماً في بدنه، وله الإرادة الحرة على نفسه وحياته، ولو كان هناك شيء أجمل من ذلك لنصح به النبي صلى الله عليه وسلم عمه وأخص أقاربه لما جاءه يسأل، فقد روى العباسُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -! قَالَ: "سَل اللَّهَ الْعَافِيَةَ"، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ! فَقَالَ لِي: "يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" رواه الترمذي.