لطالما ظلت الثروات البشرية وما تكتنزه من قدرات متنوعة أهم رهانات الحضارات المتتالية، بل وحتى التجمعات البدائية منذ فجر التاريخ، وتندرج الأجيال المتعاقبة من الأدباء والمفكرين ضمن تلك القدرات القومية والمنح الربانية الخالدة. وعبر هذه الزاوية «كتب وقراءات» نُسلط الضوء على ثمرات وإنتاج أدباء ومؤلفين، أثروا الساحة الثقافية بنتاجهم الأدبي والمعرفي، واكتسبوا مكانة مرموقة في الذاكرة البشرية المتراكمة، بعد أن ساهموا في تشكيل المشهد الثقافي العربي العالمي الذي يعيش أزهى عصور التواصل الكوني الشامل. «الآراء والمعتقدات» كتاب «الآراء والمعتقدات» نشوؤها وتطورها.. للكاتب والباحث في علم نفس المجتمع، وصاحب المؤلفات الشهيرة، مثل «علم نفس الجمهور» و»الثورة الفرنسية وعلم نفس الثورات» و»علم نفس الحرب الكبرى» وغيرها.. غوستاف لوبون الفرنسي (1841 - 1931) الذي يعد من أشهر فلاسفة الغرب، وأحد الذين امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، لم يسر غوستاف لوبون على نهج معظم مؤرخي أوروبا، حيث اعتقد بوجود فضلٍ للحضارة الإسلامية على العالم الغربي. غوستاف لوبون، جمع بين أدوات المعرفة الاجتماعية والنفسية في بحوثه، ربما هو الأفضل الذي عالج هذه المسألة بمنهجية علمية خالصة تساعد القارئ العام والباحث، على الدراسة المفيدة، وقد قام بترجمة هذا الكتاب أستاذ اللغة الفرنسية نبيل أبوصعب المترجم الذي عرف عنه غزارة الإنتاج. وهذا هو الكتاب الخامس في سلسلة العلوم الإنسانية التي تصدرها دار الفرقد وترى أنها ضرورية للقارئ العربي في هذه المرحلة الانتقالية، الغنية بمحتواها، والخطيرة باحتمالاتها، التي يواجهها العرب في كل أمصارها.. نعم ما أحوجنا اليوم خاصة إلى مثل هذا الكتاب الذي يدرس الآراء والمعتقدات وكيفية نشوئها وتأثيرها على حركة المجتمع، وكأنه يقول: حذارِ أن تتسلح بمعتقدات زمن مضى لمواجهة مشكلات حاضر، فالحاضر حيّ، أسباب اضطرابه فيه، وكذلك أسباب استقراره. وشدّني في الفصل حديث المؤلف عن «اللذة والألم» بقوله: اللذة والألم هما كلام الحياة العضوية والعاطفية، والتعبير عن توازنات الجسم المشبعة أو المضطربة، وهما يمثلان الوسائل التي تستخدمها الطبيعة لإجبار الكائنات على القيام ببعض الأعمال التي يستحيل من دونها الحفاظ على الوجود، اللذة والألم هما إذن المؤشران على حالة عاطفية أسبق، إنهما النتائج، كما تكون الأعراض المرضية نتيجة مرض ما، إن حاسة الشعور باللذة وبالألم تشكل الحساسية. وتخضع حياة الكائن العاطفية والنفسية بأكملها لهذا الحساسية، إن الكلام الأجهزة العضوية، المُترجم باللذة وبالألم هو كلام حاسم نوعاً ما، تبعاً للضرورات التي ينبغي إشباعها ومنها مثل الجوع ما لا يقبل الانتظار. وهذا الكتاب مثير للجدل العقلي، ومادة علمية مميزة، وهو استخلاص للدروس المفيدة للتعامل مع معتقداتنا المتوارثة ترى أين العقل والحكمة فيها وأين المؤثرات الأخرى، وسوف يجد فيه القارئ ما يبحث عنه في هذا الفرع المعرفي، وأنها تشعل شمعة تضيء طريق الجيل الثائر إلى برّ الأمان. «اللغة الإعلامية» كتاب «اللغة الإعلامية».. المفهوم والخصائص - الواقع والتحديات، الصادر عن دار كنوز المعرفة بالأردن، ومن تأليف الدكتور محمد حمزة الجابري، وتصدّر أولى صفحات الكتاب مقدّمة رائعة جاء فيها: «باللغة يحقق الإنسان إنسانيته، وبواسطتها يثبت وجوده وتعامله مع الآخرين، بها يؤكد منزلته كعضو فاعل ومنتج في مختلف الفضاءات الاجتماعية، حيث تعتبر اللغة إحدى مقومات الأمة نظراً لدورها في بناء وتجذير الشعور بالانتماء إلى مجموعة لها خصوصيتها الثقافية كما تمثل اللغة أحد العناصر الأساسية للهوية والتي لا يقتصر مضمونها على التضامن المكون للذات الجماعية فحسب إنما يمتد إلى الفاعلية التاريخية التي تتجلى - عبر اللغة - بالمقدرة على المشاركة في الإنتاج الحضري أي في الإضافة الفكرية لأن الهوية بناء تاريخي متجدد، وهذا يعني أن اللغة هي أيضاً في صلب ديناميكية التطور». ومن الجميل في هذا الكتاب الحديث عن الفصحى في وسائل الإعلام بين الحضور والتغييب: تتزاحم إلى رؤوسنا الأخطاء اللغوية المنتشرة في وسائل الإعلام وتروعنا اللهجات العامية المسيطرة على التلفاز بخاصة كل ذلك عندما نعيد طرح إشكالية الفصحى في وسائل الإعلام.. نبدأ الإحصاء ثم نبدأ تصور الحلول ب (يجب ولا بد..) وكأننا بهذه الأوامر نضع حداً للإشكالية الفصحى بالحجم نفسه دونما حراك.. وأتصور أن السبب في ذاك ينبع من نظرتنا الواقعية الأفقية للقضية وهو أمر يهمش ماضي الفصحى ومن ثم نتناسى عن عمد أن الفصحى استنبتت إشكالياتها معها منذ القدم، ولذلك فإن المصارحة بجذور القضية تعني جهود القدماء لأنه شرط لوعي الذات المعاصرة بنفسها، ووعي الذات بنفسها شرط لاكتساب القدرة على التعامل الواعي مع إشكالية الفصحى في واقعنا الإعلامي المعاصر. وجاء في ختام الكتاب الحديث عن اللغة الإعلامية بين الفصحى والعامية: إذا كانت اللغة العربية هي اللغة الشعرية أو الشاعرة كما وصفها الأستاذ العقاد، لغة بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي في جملتها فن منظوم منسق الأوزان والأصوات لا تنفصل عن الشعر في كلام تألفت منه، فإن اللغة العربية كذلك لغة إعلامية، ونريد بذلك إنها لغة بنيت على نسق الفن الإعلامي بمفهومه الحديث، تعرض مواد مبسطة يسهل على الجماهير فهمها كما إنها تتمشى مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، فالألفاظ العربية تدل على تفكير العرب ونظرتهم إلى الأشياء، واللغة العربية لغة دالة، ترمي إلى النمذجة والتبسيط من خلال منهج لوضع الألفاظ للمعاني الجديدة، يختار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو تحديد وظيفته وعمله، وعليه فإن اللغة العربية لا تختلف في منهج تطويرها للغة عما يريده اللغويون وحراس اللغة، ورغم إن الصحفي مطالب بتكييف أخباره ومقالاته وفنونه التحريرية وفقاً للقوالب الصحفية المنشورة، فإن عليه أن يحرص على القواعد المصطلح عليها في النحو والصرف والبلاغة وما إليها، وإذا كانت اللغة الإعلامية تحرص على مراعات القواعد اللغوية المصطلح عليها فإنها تحاول كذلك أن تحرص على خصائص أخرى من بساطة وإيجاز ووضوح ونفاذ مباشر وتأكيد وأصالة وجلاء واختصار، ذلك لأن كل كلمة في اللغة الإعلامية يجب أن تكون مفهومة من قبل الجمهور المستقبل كما يجب أن تعرض بطريقة جذابة تحقق يسر القراءة. «الريح والمصباح» كتاب «الريح والمصباح» مقاربات في الفكر والإبداع صدر عام 1999 عن دار الكنوز الأدبية للمهندس السعودي أحمد بوقري ويعد من أهم أعماله الشهيرة.. يحتوي على العديد من المقالات التي كتبت في الفترة بين 1985 - 1997م وهي نصوص نقدية وفكرية، ويتناول الكتاب العقلية العربية من خلال فصول عدة بدأها بالسؤال الإشكالي: ما العقلية العربية؟ وجواباً على ذلك، فإنه سعى إلى توضيح منهجه المعرفي القائم أساساً على عدم التمييز بين «نحن» و»الآخرون»، لأنه يعتبر العقل كينونة كوكبية تتمايز بتمايز الحياة الاجتماعية والثقافية لكلّ شعب من الشعوب، وبالتالي فإن العقل العربي باشتراكه في هذه الخاصّية من الامتزاج بثقافة العالم قد أوقعه في جملة من المشكلات التي أحدثت فيه «خللاً كبيراً في التركيب البنيوي.. وتراجعاً فادحاً في عملية التقدّم الاجتماعي، بل إنها أحدثت شرخاً يطول زمن التآمه بين العقل العربي وطاقته الخلاّقة، عقل الإنتاج الفكري والمعرفي، وبين مجتمعه. ويقول المؤلف عن هذا الكتاب: «ولأني كنت على قناعة بأن تأصيل وعي نقدي تساؤلي في مجتمعنا العربي، يعد واحداً من أهم وأخطر الأدوار في حياتنا الثقافية، وذلك لأن هذا الوعي يعبر بنا إلى الأفق المفتوح للتعددية الفكرية والاجتماعية، التي تقودنا بالضرورة إلى أفق التغيير السياسي وتالياً إلى الحضور الأبتسمولوجي في قلب العصر وحضارته، وقد وصلت إلى قناعة في الفترة الأخيرة إلى أن تعثُّر تشكيل هذا الوعي النقدي أو تعثُّر ممارساته وانفعاله وجد له بواقعه سيقودنا بالضرورة إلى هوة الخروج من العصر، أو البقاء على هوامشه مبتوري الأطراف، ونحن على مرمى حجر من القرن الواحد والعشرين، على أن عملية تشكيل هذا الوعي النقدي ليست بالطبع بالعملية السحرية أو مناطة بالمفكر والأديب والفنان بل هي عملية معقدة تشترك فيها أطراف خارج الحقل الثقافي وهي عملية بطيئة ومستمرة، لا نهاية لها يقودنا إلى جانب المثقف، السياسي والتكنوقراطي والاقتصادي والعالم الاجتماعي بروحية نشدان الحقيقة بعيداً عن دوغمائية التخصص وحواجزه المفتعلة». وقد قسم المؤلف كتابه إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول: العقلية العربية، والقسم الثاني: مقاربات نظرية تناولت إيضاحات في النقد الواقعي، في علمية النقد وراهنيته، في علاقة الفن بالواقع، نقد النص إلى أين؟ التماسك المنفرط: نقد البنيوية، هل الإبداع العربي في أزمة؟ نقد نص أدبي أم نقل نص نقدي، الخروج من نقطة الصفر، الترجمة كعملية تثاقف جدلي. وكذلك مقاربات تطبيقية حول الثقافة العربية: البحث عن نسق جديد، قراءة في المرجعية الاجتماعية للفكر والإبداع، تعددية أم واحدية؟ قراءات في مسيرة ملاحقنا الأدبية، جدلية الذات والموضوع، قراءات قصيرة لنماذج من القصة القصيرة في المملكة. ويتحدث المؤلف في أحد مقالاته التي ضمها الكتاب عن «العقلية العربية» فقال متسائلاً: «ما العقلية العربية؟» تستدعي طبيعة هذا البحث أن ينفي بدءاً أنه يضح مقولة مقولة «العقل العربي» أو مقولة «العقلية العربية» في مرتبة تمايز قومي أو بيولوجي استعلاءً كان أم تحقيراً. فليست هذه السطور بصدد التوكيد على التمايز «الوهمي» كما قد يقر في أذهان البعض القليل، للقناعة العميقة التي أمتلكها بكون العقلية العربية حتى في طابعها الاجتماعي والنفسي نسيج بنيوي لا ينفصل تأريخياً عن العقلية الكلية التأريخية التي راكمها الإنسان على هذا الكوكب، إنْ في مستوى إدراكه ووعيه الكوني والاجتماعي، أو في مستوى تطوره المعرفي وتحضره على مدى تأريخ الكينونة الإنسانية الطويل والعمق الأزل، إلا أننا هنا بصدد التوكيد على الدلالة الاجتماعية للعقلية العربية وعلى السمات والخاصة الثقافية ليس من كونها هي قد خلقت هذا وبمحض الصدفة، بل من حيث إنها قد دخلت مرحلة انقطاع اجتماعي وسياسي بفعل التأثير الهائل للعلاقات الاجتماعية والثقافية والجديدة. «موازين اللغة» صدرت أولى طبعات معجم موازين اللغة عن مكتبة العبيكان في العام الجاري 1441ه للمؤلف صالح اللحيدان، في 383 صفحة من القطع المتوسط، ويمثل المعجم تجديدا نوعيا في النسق اللغوي، فهو معجم وشرح وتأصيل وتقعيد لمفردات لغوية، مع ما يحوطها من صفات حسية، وصفات أخرى معنوية؛ لبيان كثير من المفردات، وكيفية صفات ومعانٍ ولوازم عديدة. وقد خالف صاحب المعجم كما يقول كبار المعجميين في الشرح والبيان وما يتعلق بمعنى الكلمة مثل: صفات العبقري والعظيم والقدير من الناس والمسيطر والموهوب وحالاتهم، والعقل وحقيقته والمرحلة الظنية والخلل العقلي، وهكذا. ويرجو اللحيدان أن يسد كتابه مسدا جيدا لدى العلماء والباحثين مطالبا بعدم استصدار الحكم عليه قبل تكرار القراءة بشفافية وحسن وعي. وقد حوى المعجم عديدا من الموضوعات في فنون شتى، متبعا أسلوب العرض المقالي، وناقش قضايا متنوعة في الشريعة واللغة والأدب والفلسفة والتاريخ والأنساب وعلم النفس وغيرها. أحمد بوقري غوستاف لبون نبيل أبوصعب صالح اللحيدان