• يبدو المشهد العربي في كثير من اضطراباته، وتناقضاته، وكراهيته ودمويته، وكأنه أحد فصول كتاب (سيكولوجية الجماهير)، ذلك الكتاب الذي وصف فيه الطبيب والمؤرخ الفرنسي (جوستاف لوبون) حال الجماهير أثناء الاضطرابات والحروب، وفسر سلوك الجماعات وطبيعتها وآليات السيطرة عليها، وكيفية توجيهها من قِبَل السلطة، سواء كانت سلطة إعلامية، أو سياسية، أو اجتماعية. • الكتاب الذي تقوم فكرته على أن (التحكم بالجماهير يبدأ بمعرفة كيفية التأثير على مخيلتها وعواطفها) ظهر لأول مرة في العام 1895م، لكنه لا يزال حتى اليوم منهجاً حياً؛ وعقيدة متوارثة للعديد من الأنظمة والمؤسسات الإعلامية الفاسدة. يقول لوبون: «من أهم خصائص الجماهير ذوبان شخصية الفرد وانخراطه في شخصية القطيع.. فيتخلى عن عقله الواعي كي يتماشى معهم، لأنه ليس من السهولة السباحة عكس التيار». ويضيف: «عندما تغيب شخصية الفرد ووعيه يمكن لنا أن نُفسِّر انسياق بعض النخب خلف آراء وعواطف القطعان المخالفة لأبسط قواعد العقل.. وهنا يتسم الجمهور بالتفكير اللاواعي، ويكون في حالة تلقٍّ وتلقين للأفكار لا إنتاجها.. تجذبه الأفكار السطحية. وتنتشر فيه الإشاعات غير المنطقية!. • عربياً.. ساهم الفضاء الإعلامي المنفلت، في ظهور قنوات مؤدلجة مثل الجزيرة ومن دار في فلكها من إعلام حزبي براجماتي موجَّه مثل إعلام الإخوان في إفساد الجو العربي العام، ونشر الكراهية (العربية - العربية) بشكلٍ غير مسبوق.. والمتأمل للمنهج الإعلامي لهذه المنصات يجد أنها توجّه الجماهير على منهجية لوبون من خلال الخطاب العاطفي والصور، وهما من أكثر الأدوات تأثيراً على نفس المتلقي.. فالأفكار كما يقول (لوبون) لا تُؤثِّر في الجماهير إلا إذا أدخلت إلى اللاوعي على شكل عواطف وصور، لذا تحرص قنوات الفتنة على تحريك الجماهير عن طريق عاطفتها، وعاطفتها المتطرفة فقط. • ولأن العناصر اللاواعية هي التي تقود القطعان بحسب (لوبون).. فإنك قد تجد تشابهاً فكرياً مضحكاً عند أفراد عرقٍ أو طائفة ما، فمن الممكن وجود هوة فكرية بين أستاذ جامعة وبائع خضار، لكن هذا الاختلاف يصبح شبه منعدم عندما يتعلق الأمر بالعقيدة الدينية أو الهوية!. ولعلك قد لاحظت أن خبراء الجزيرة -الذين لابد أن نشهد لهم بالنجاح في تقطيع أوصال الجسد العربي لصالح نظام قطر- قد لعبوا كثيراً على العواطف الدينية للجماهير.. فالعقل هنا يصبح عاملاً سلبياً لا إيجابياً.. والتحاكم العقلي يُلغى لصالح العاطفة!.. لذا تجد وسائل العمل التي تستخدمها الجزيرة للإمساك بالجماهير هي (التأكيد، التكرار، العدوى)، فالتأكيد ولو دون حجة عقلية يصبح وسيلة موثوقة لإدخال فكرة فى روح الجماهير، ثم يأتي دور التكرار، الذى يؤدى إلى الرسوخ، ثم العدوى التي تنقل فيروسات الشائعات. • لقد وصلت الكراهية درجة خطيرة في العالم العربي بسبب الجزيرة والإخوان وغيرهم من وسائل إعلام قذرة، تنفخ نيران الكراهية والحقد والحسد في نفوس الجماهير صباح مساء.. فهل يتحرَّك العرب (وجامعتهم معهم) لإيقافهم قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه؟!