«الفيديو آرت من أهم الأساليب الفنية التي تجسّد حريّة التعبير في قالب بصري وسمعي ميزته التقنية تحمل موهبة التفصيل بمهارة ذهنية دون المبالغة ما يركّز أكثر على المفهوم وتأمل اللحظة البصرية واستشعار المشهد البصري بكل دلالاته». الفنانة مها مطران تشكيلية سعودية وباحثة مهتمة بالفنون المعاصرة تلقّت تعليمها الأكاديمي الفني في التصوير التشكيلي والطباعة ليصبح الفن بالنسبة لها أسلوب حياة أثبتت فيه أن الإنسان ليس إلا ما يسعى إليه وأن التجربة التي تقدّمها ذاتياً هي التي تُثري الموهبة وتعمّق المدارك وتخلق له خطاً فنياً وأسلوباً متفرّداً. لمطران مجموعة من الأبحاث في مجال الفنون البصرية ما أهّلها لتقدّم جلسات حوار متعدّدة وورشاً تدريبية، كما شاركت في العديد من المعارض الفنية المحليّة. بدايتها التجريبية مع الفيديو آرت كانت في سنة 2015 وهي لا تزال طالبة وتعدّ بحوثها المهتمة بالفنون المفاهيمية في محاولة لربط الفن بالعلم فكانت تجاربها الأولى تعتمد على ربط علم التفسير اللغوي بالفن والتعبير عنه من خلال فيديو قصير ومجسّم نحتي للفكرة فكانت هذه الخطوة منفذ التعبير بالفيديو آرت واختياره مساراً فنياً حمل المفاهيم العميقة وعبّر عن التساؤلات الداخلية التي تدور في ذهنها وبالتالي كان الفيديو آرت مشروع تخرجها. تأثّرت مها مطران بالفنان العالمي «بيل فيولا» وبالفنانة «شيرين نشأت» والأعمال التي لفتت انتباهها للتفاصيل التعبيرية للفكرة الذهنية والحركة المصوّرة ما يفسّر عمق المعنى وراء كل عمل إضافة إلى تأثّرها بالفنانة «مارينا أبراموفيتش» لتأخذها الفكرة نحو توثيق اللحظة وجرأة التفاعل مع المواد والأشخاص والأداء الفردي الشخصي كأن يكون الفنان جزءاً من الفيديو آرت. وتعتبر مطران أن التأثر والمتابعة للأعمال العالمية قادها بشكل فعلي وناجح للتعرف على التجريب إلا أن التجارب المحلية العربية والخليجية والسعودية بالخصوص قادتها للغوص في بيئتها واكتشاف الفنيات القصوى المتجدّدة في كل تجربة. يمنح الفيديو آرت للتعبير حرية ومنهجاً تفسيرياً ففي عمل «لا مقطوعة ولا ممنوعة» أو كما تسميه مطران «ديمومة الحياة» وهو فيديو (دقيقة و15 ثانية) تناقش فلسفات الوجود والتكوين بمعالجة مصطلحات البداية والنهاية بالتناسق المفهومي مع خصوصيات الفن الإسلامي فهي تقدّم في أعمالها مفاهيم الإنسانية والفلسفة والحضارة وجدليات البقاء والفناء التي تطرحها في تساؤلات تحاول أن تستدرج الفن الإسلامي إلى المعاصرة وتتناوله من منطلق ما بعد الحداثي. حين يبدأ النبض من الرحم الأول للأرض وترابها تتكوّن الصورة وتتواصل رغم تناقضاتها في منطلقات البقاء والفناء، فمؤثرات التركيب الذهني البصري في العمل تربط البعد الرمزي مع الرؤية التقييمية للمفهوم البصري الذي تحاول مطران تقديمه وهي تستمد صورها بالارتكاز على الأبعاد والصوت فبين العتمة والنور تتراءى الحياة في دورانها وديمومتها المتواصلة والمستمرة. هنا يرتكز العمل تقنياً على الأداء التنفيذي والعلامة البصرية بين المحسوس والمعنوي والمُعبر عنه في تلاقي الفكرة مع المادة، وبالتالي تستمر الحركة دون كلل أو ملل ودون إحساس بالعبث أو اللاجدوى لأن الديمومة واستمراريتها تبعث التجدد في الحياة وتضمن الدورة المتكاملة التي تأخذ أقصاها في الحركة والتعبير. استطاع الفيديو أن يخدم الفكرة فنياً وجمالياً ويتلاعب بحركتها بالتصعيد والهدوء والجمود والتواصل رغم المدة الزمنية إلا أنه عبّر بشكل انفعالي وثابت في مداه الفهمي وخرج من نمطية التمطيط في التفسير وفي التفرعات الوجودية والكونية وتعقيداتها فالبساطة التي بحث فيها ركّزت على قدرة الحركة في خدمة المفهوم والتواصل بالفكرة وتوسيع أفقها التعبيري. * كاتب في الفنون البصرية من عمل الفنانة مها مطران الفيديو آرت «ديمومة الحياة»