مدخل للشاعر جروان الطيار: ياحلو فنجال الضحى كان قهويت إن سولفوا به شاربين الفناجيل بدلال من يضحك حجاجه لياجيت إن جو لبيته مضرمين على الهيل كان أهل البادية قديمًا عندما تسرح مواشيهم وقت الصباح الباكر وعندما يحين وقت الضحى يستريحون بعد العناء يتناولون فنجال الضحى، الذي يمثل لهم أهم أجمل الأوقات واللحظات وأسعدها، خاصة عندما تكوت الأراضي معشة، وتفوح بأجمل عطور الزهور البرية، وقد وصف هذا الحالي الشاعر عبدالهادي بن عبدالله بن راجس السبيعي وصفًا رائعًا تميز بالجزالة والأصالة، خاصة وصفه الجميل لفنجال الضحى بعد الشروق واجتماع الرجال أثناء إعداد القهوة: يا ما حلى والعشب غادٍ به ارناق وصوت أم سالم بين عاشق ومعشوق وشوف البيوت التي بها قاطع أرواق في صيهدٍ ماشيه ما هوب مرهوق لاجا الضحى من عقب حزّات الأشراق تجمعوا والبن يحمس .. ومدقوق في ربعةٍ يوجد بها كل الارزاق يجيبها اللي جاره الله من العوق وكان أهل البادية يتناولون فنجال الضحى أيضًا في مجالسهم مجالس الرجال العامرة بالطيب والناموس، التي تحفل بأقوى دروس المراجل، والقصص الخالدة، والرجال الشامخة، والسلوم الوافية، وكذلك بالأشعار الرائعة التي يطربون بها من خلال قصائد شعرائهم الأفذاذ، الذين كتبوا أجمل الأشعار، وتفننوا بعذب المفردات، والبعيدين كل البعد عن الهزالة والقريبين كل القرب من الجزالة والإبداع، التي لا تزال تعيش معنا حتى الوقت الحالي.. منها هذه الأبيات من قصيدة مشهورة للشاعر الأسمر الجويعان: يا حلو فنجال الضحى يا بو عذال في مجلسٍ مابه خبيث الغريزه صبّه لدسمين الشوارب والأفعال هل المكارم والنفوس العزيزه يطرد هواجيس على القلب تنهال ويطفي هواجيسٍ إسوات الوزيزه حيثك من اللي يعمل الصبح فنجال اللي لهم في شبّة الصبح ميزه وكانت تلك الأشعار التي يستمعون لها ويستمتعون بها خلال وقت فنجال الضحى الذي يشربونه على مهل خاصة عندما تُشعل النّار، وتفوح راحة الهيل، ثم تقدّم للحضور بمذاق الزنجبيل والمسمار، في مجلس الكرام الأوفياء الذين يحلو القدوم لمجالسهم، وفي هذا الشأن قال ابن ثويني: يا علي شب النار يا علي شبّه لا ساح ظل مشمرخات الهضابي وادغث لهم يا علي من كيس حبّه وقرّب له اللي مثل لون الغرابي حنكيتن ما تنجلي لو نربّه تلقى لغوده من سنا النّار صابي وكان من عوائد أهل البادية التفاخر بالحديث عن كرمهم وشجاعتهم ومروءتهم الحقيقية، وذلك بذكر أبطال وفرسان الصحراء، الذين اشتهروا بالشجاعة والإقدام والفروسية.. ولا شك أن الخاطر يبهج في مثل هذه اللحظات من وقت الضحى، والصدر ينزاح عنه الضيق والهم، خاصة أن فنجال الضحى له مذاق خاص ونكهة جميلة، وربما يكون له دور في إزالة الهواجيس والضيق كما يصف لنا هذا الحال شِعرًا الأمير محمد الأحمد السديري: قم سو فنجال الضحى يا ابن قمّاع في صبته يا القرم خلك سريعي صبّه لمن هو ضايق البال منلاع غدى هواجيس الضمائر تضيعي همٍ بقلبي بين محنى الأضلاع شيٍ يضيق به الحماد الوسيعي لا راح همٍ جات همومٍ لها أسناع تسابقت لقلب المشقّى جميعي وابن الصحراء قد أحب الإبل وعشقها، وأصبحت لها منزلة عالية في نفوسهم، فهي بالنسبة لهم مصدر فخر واعتزاز، وتميزهم وسط القبيلة، فهي أنيس وحدتهم ورفيق دربهم في الصحاري، خاصة عندما يتناولون فنجال الضحى وسط الطبيعة بين الجبال والهضاب ووسط الفيافي التي تفوح بروائح زكية، وتُشاهد الأراضي المعشبة، والوديان التي نبتت بها أجمل أزهار الصحاري، ويحلو ذلك مع تناول فنجال الضحى، الذي تم إعداده بمقادير لا يجيدها سوى خبير ملم بعمل القهوة وما تتطلبه من مقادير خاصة لها يسعد به كل مشتاق لهذا الفجال البدوي، كما يقول الشاعر عبدالرحمن بن عودة الفضلي: يا زين فنجال الضحى بالمراحي امسكبه راعيه والنذل ماجاه فنجال اشقر بين ني او نجاحي يصبغ ابكاس الصين كالدم مجراه راعيه ما دورا بصاعه رباحي يبغيه الى جاو المسايير مقراه ريحه على جمر الغضى حين فاحي يبلغ مسيرة يخوم يا بعد مسراه لا شمّه المشتاق في الارض طاحي يسكر ابريحه من بعيد إلى جاه هكذا كان فنجال الضحى يتم تناوله عند أهل البادية قديمًا، وخلال هذا الوقت يقضون أجمل وأمتع الأوقات السعيدة، حتى لو كان الوقت لحظات قصيرة، فإنه يعتبر بالنسبة لهم شيئًا جميلًا ووقتًا سعيدًا، خصوصًا أنهم اختاروا هذا الوقت من الصباح الباكر كما يصف ذلك الشاعر عبيد الأسعدي "راعي بقعا": فنجال خطو الغشمري ينعنى له لا قلّطت وقت الضحى حومة الطير لا قلّط المصفاة فوق المليله وغدالها عقب اهتواشه دنانير البن عشقت كل نادر قبيله وترى عمود المرجلة نيّة الخير فنجال الضحى بعد المشقة والعناء محمد السديري عبدالهادي السبيعي بكر هذال