الحل والترحال كان من صفات أهل البادية في الزمن الماضي القديم وذلك بحثاً عن العشب وموارد الماء، لذا كان لزاماً عليهم أن تكون بيوتهم سهلة البناء والنقل فعملوا بيوت الشَّعر بتلك المهارة الفنية العالية، وكان يعمل لها أدوات تستخدم ومتعارف عليها عند أهل البادية. وكما هو معلوم فإن بيوت الشَّعر تصنع من صوف الأغنام حيث يتم جز الغنم -قص صوفها- بعد ذلك يتم تنظيفه ونفشه بأدوات خاصة حتى يصبح كالقطن، وبعد ذلك يتم تحويلها إلى خيوط بواسطة المغازل، وعادة ما يقوم بهذا العمل النساء، بعد ذلك يقمن بعملية السدو وذلك باستخدام أدوات كثيرة وتحتاج إلى جهد ووقت حتى تتحول إلى قطع طويلة ثم توصل بعضها مع بعض مكونة بيت الشَّعر وكذلك أجزاؤه الأخرى كالرواق وغيرها. وبيوت الشَّعر توحي بالبساطة، ودائماً تناسب جميع الظروف المناخية، ويزداد جمالها خاصة في فترة الصيف حيث تعطي صوراً مشوّقة وهي حول العد الذي يجتمع حوله أهل البادية من أجل مورد الماء الذي يروي عطش حلالهم من الإبل والأغنام، وعند شديد البدو وقت الصيف يبقى الكثير من ذكريات الأماكن. وتعد بيوت الشَّعر رمزاً من رموز الكرم والأصالة البدوية العريقة، وتراث قديم نفتخر به جميعاً.. ولن نبحر في عملية إنشائه وتكوينه وأقسامه ولكن سوف نتطرق من خلال هذا الموضوع لجماله وما قيل فيه من الأشعار حيث نجد أكثر الشعراء يذكرونه من خلال أشعارهم رمزاً للكرم والأصالة البدوية، وفي هذا الشأن يقول الشاعر عبدالله بن صقيه التميمي -رحمه الله- واصفاً جماله وسط الصحاري وحسن الضيافة في مجالس رجال الطيب والشهامة: ياما حلا جني الزبيدي لطلع وحليب عفر بالسحال مبردي وشوف البيوت السود في قفر خلا ما به مقاريدٍ عليك تنكّدي ما فيه غير وجيه حصن تعجبك ودلال صفر بالبهار تقندي وزاهر نباتات تنشا ريحته يشدي زبادٍ خالطه دهن اعودي وهناك صور جميلة عن بيت الشَّعر صورها الكثير من الشعراء والشاعرات بأحاسيسهم الشعرية حيث وصفوا جماله ومكوناته في قصائدهم وخاصة عندما يبنى بجانب الجبال والهضاب، وفي وصف جميل عن حياة البادية ومجالسهم المرتبة، وعاداتهم من شهامة وكرم يقول في هذا الاتجاه الشاعر عبدالرحمن السنحاني: ألا ياما حلا بيت الشَّعر في جانب الهضبات مركّز بالكرب واطناب من الهبات تحميها مجالس بر وسط البر عشية بر والجلسات حياة العز عزة عز .. والعادات تعطيها وكان يوضع بداخل بيت الشَّعر بعض المقتنيات من أجل تجميله وتحسينه وتزيينه مثل: السوّح، والجواعد، وفرش الزّل، والاذريات الحمر والبيض، والحنابل القديمة، والأشدّة، والمقطنات المشروكة مع القطن، ونسيج وبر الإبل، وحجاب البيت، وكذلك توضع البنادق والمحازم طبعاً في واجهة بيت الشَّعر حتى تعطي منظراً بهياً وحسناً يتضح من خلاله للزائر والضيف الأصالة البدوية، وفي ذلك الزمن كانت أدوات الزينة الخاصة بالبيوت قليلة جداً ولكن لا تخلى منها. ومن الروائع الشعرية التي قيلت في بيت الشَّعر من حنين وشوق للماضي الجميل، ووصف لحال أهل البادية أثناء رحيلهم الذي يكون عادة في وقت الصباح الباكر في مشهد غاية في الجمال، ويأسر القلب والعين كما يقول الشاعر عائض بن حمد بن الأشدق رحمه الله: يا زين شدانٍ مع الصبح زيناه ويبرى الضعن ذودٍ عليها جنايب فليا نزلنا حزّة العصر وحذاه جر الفراش وشب والنذل غايب وقلط معاميل على الجمر مركاه ونجر اليا من صك صوته عجايب نجعل لها بن وهيل شمطناه بزعفران في الفناجيل ذايب يوم الردي مارد ايده لمخباه يكفيه من هو يحتمل للنوايب هو مادرى ان الموت عاده بيقفاه فن مات ماتشفق عليه القرايب في منزل دونه سراب.. ومضماه وياطول ماراعى الغنم منه هايب وختاماً.. هذه أبيات من قصيدة جميلة للشاعر جزاء صالح الحربي يتوجد فيها على أهل بيوت الشَّعر ويذكر عاداتهم المشرّفة وسجاياهم النبيلة من كرم وشجاعة ووفاء ورجولة مخاطباً فيها (العد) الذي كان يسكن حوله أهل البادية قديماً خلال فترة الصيف: يا عد وين أهل البيوت المداويح؟ اللي منازلهم جناب الشعيبي وأهل الجهام اللي طياح مواضيح ماكن جولك من بعيد.. وقريبي ومن نزلهم خالي جنابك صحاصيح بس الفجوج الخاليه.. والقليبي ولاشفت فيك إلا الحصا والصلافيح وبعض الجواد اللي رسمها العزيبي وشوف الهضاب المظلمات اللحاليح مافيهن إلا الذيب يقنب قنيبي تأخذبهن هوج الهبايب تلافيح ماغير رسمٍ بالطويل الجذيبي رسمن يشيب بالقلوب المجاريح قلوبٍ علي الغالين تنحب نحيبي قلوبنٍ من الفرقا حدتها السواميح وأشعل بها حر المفارق لهيبي شق الرجال حيث يضع الرجل مقتنياته وقهوته بالمغزل يتم تحويل الصوف الى خيوط السدو تشبك الخيوط بعضها مع بعض بأدوات خاصة