كل الناس يسترجعون ذكرياتهم في أيام العيد، لكن الذكرى تبدو أجمل عند جيل المخضرمين حسب ما يصفونه من ذكريات ووجدان وانكفاءة على السنين وعودة لما مضى، الأيام اختلفت في ظل جائحة كورونا، يقول المتبني "بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ"، من هنا انطلق بعض الفنانين يتحدثون عن علاقتهم وذكرياتهم والمواقف التي مرّت عليهم في طفولة العيد. يقول الفنان علي عبدالكريم: الذاكرة مليئة جداً بالأحداث التي مرّت علينا في الطفولة، حياتنا كانت بسيطة لكنها في نفس الوقت جميلة، إن في ذاكرتي طقوساً للعيد والتي تبدأ من مساء آخر يوم في رمضان، نتوجه لحلاق الحي وبعدها اللعب في الحارة وتجهيز ثياب العيد، ثم نواصل السهر حتى نصلي الفجر، ونعود للبيت ونلبس ثياب العيد ونعايد الأهل، ثم ننطلق لرحلة المعايدة للجيران منزل منزل، حتى نحصل على العيدية، هذه أهم العادات التي ورثناها من الأهل. الجميل في هذا أننا بعد أن ننتهي من زيارة الجيران، كل واحد منا يسأل الثاني كم جمعت من المال "الغلة"، بعدها نعود للبيت حتى وقت العصر ونخرج للعب في العيدروس، والعيدروس هذا مكان يعتبر مجمعاً للألعاب الشعبية، بمثابة مدينة ملاهٍ، وسمي بهذا الاسم لوقوعه في حي "العيدروس" في حارة الشام، والألعاب التي كانت موجودة حينها، المراجيح الخشب ولا نعود للمنازل إلا بعد خروج العصر، هذه الذكريات التي تعود كثيراً في أيام العيد أكررها على الأبناء، حتى الفن كان ملاصقاً معي في أيام العيد، كنت حينها لا أعود إلى المنزل إلا بعد أن أشتري الطار والطبلة لتعلقي بالإيقاعات، لأنني كنت أمارسها في البيت. علي عبدالكريم تفوح ذاكرته بالكثير من الوجدانيات "الحي الطفولة الأغاني الألعاب"، يقول إن العيد في طفولتنا كان جميلاً وبريئاً وبسيطاً جداً، ومن جمالياته التواصل بين الجميع والتكاتف بين أهل الحي في كل الأوقات، لكن لا يمر يوم العيد إلا أن يحصل موقف من المواقف المحرجة، في سنة من السنوات كنت صغيراً جداً وألعب مع الأطفال ب "الطراطيع" ورميت أحدها في الهواء ومن سوء حظي أنها وقعت في بيت الجيران من خلال الشباك الذي كان مفتوحاً، ولم ينتبه الجيران حتى شب حريق كبير في البيت استدعى حضور رجال الإطفاء، ومن خوفي من والدي هربت لبيت خالتي واختبأت في "الروشن" وهو صندوق كبير يستعمل للجلوس وبقيت فيه حتى صباح العيد. هذا المواقف ما زال عالقاً في ذهني واحرص كثيراً عن استخدام "الطراطيع" في أي مناسبة. بينما قال الفنان الشعبي "أبوسراج" عمر العطاس: كنا نعرف العيد من طلقات المدفع والتي تأتي على عدة طلقات معلنة دخول العيد، وعندما نسمعها ننزل في الحارة مع الأطفال وترتفع أصواتنا بالصياح من الفرحة، من خلال ذلك يعرف أهل الحارات الأخرى الذين لم يسمعوا مدفع العيد أن غداً هو أول أيام العيد. بعدها يبدأ توزيع الحلويات مثل "حلقوم والدبيازة والغريبة" وغيرها وكذلك المشروبات كالتوت وقمر الدين وعرق سوس وبعض الأسر المقتدرة توزع التطلي "المهلبية". في تلك الليلة نجهز ملابس العيد ونسهر حتى الصباح، نتفرج على ملابسنا حتى وصول صلاة العيد، إذ نلبسها ونذهب لصلاة العيد مع الأهل، أهل جدة في ذلك الوقت كانت عاداتهم متصلة مثل بعض، نتجمع بعد الصلاة ونذهب في جولة معايدة على الجيران حتى نأخذ عيديتنا منهم، بعضهم يعطينا قرشين أو أربعه قروش وسعيد الحظ من يحصل على ريال أكثر اهتماماتنا هو كم جمعنا من العيدية. ومن العادات الاجتماعية الجميلة في ذلك تجمع الأسر في بيت كبير الأسرة، كما يحدث في بيتنا حيث إن الوالد هو كبير الأسرة، وهي من ضمن الأشياء الجميلة التي ما زالت تقبع في ذاكرتي، أتذكر أهل الحي يتجمعون ويتعاونون في طلاء البيوت وتجديد فرش البيت، ومن أجمل الأشياء أن الناس لا تعيب على أحد في ملابس العيد. يتذكر أبو سراج في طفولته هطول أمطار غزيرة على جدة في أول أيام العيد ولم يتمكنوا من الخروج في ذلك اليوم. أما المنشد محمد هداية الإدريسي، فذاكرة مليئة بالذكريات الجميلة، يقول عنها: يبدأ عيدنا في شراء الملابس الجديدة للعيد. وفي صباح العيد التالي يأتي المسحراتي، ومعه أطفال يمرون تحت المنازل في جدة القديمة لطلب العيدية، لأنه خلال فترة رمضان يوقضنا للسحور مع بعض المديح وذكِر أسماء أهل المنازل فقط في جدة القديمة، وإعطائه نقود مع خيرات البيت ثم تنظيف البيت والمجالس لأجل استقبال الأهل والأقارب والأرحام. وفي صباح العيد نذهب إلى مصلى العيد خارج جدة يسمى (المشهد) ثم بعد صلاة العيد يتجه أهالي جدة القديمة من إلى الرجال والأطفال لزيارة المقابر. والنساء يستعدون لتجهيز فطور العيد السنوي المميز ويتكون من (الدبيازة والمنزلة والملوخية الناشفة والندي واللحم الكبير والفاصوليا البيضاء واللقيمات والجبنة ومشتقاتها والحلاوة الشامي أبو الشعور والزيتون والشريك البلدي مع السحيرة والعيش الحب وعيش البر الحنانة للأطفال والشعيرية المحمصة وبعض المخللات مثل الأنبه وطرشي القتة ومن المشروبات شراب الورد بالتوت) وتكون التجهيزات هذه في بيت كبير العائلة. بعد اجتماع جميع أفراد العائلة من تناول الإفطار وشرب الشاهي الأخضر المديني بالنعناع. يؤكد المنشد الأدريسي أن كبير العائلة يقوم بتوزيع العيدية على جميع أفراد العائلة كبيراً وصغيراً المتبعة في جدة قديماً. ثم بعد ذلك يخرج الرجال لزيارة الأهل اليوم الأول الأقرب فالأقرب من الأعمام والعمات. اليوم الثاني من الخيلان والخالات واليوم الثالث للجيران. وتتكون حلاوة العيد (حلاوة لوزية وحلاوة حلقوم بأنواعها وحلاوة عسلية وحلويات مشكلة) توضع الحلويات في مجلس الرجال وبجانب الحلويات توضع مذكرة بأسماء الزائرين وكذلك مرش ماء الورد. وأخيراّ يذهب الأبناء مع أبيهم في العصر إلى ألعاب العيد التي تكون في حارة اليمن العيدروس؛ والمظلوم أمام مدارس الفلاح ويسمى مساء أول يوم العيد (باليتمة) مع سماع صفارة العسة. الممثلة شيرين باوزير تقول: الجميل في عيد السنوات السابقة هو التواصل بين الأهل وبين أهل الحي، كانت هذه العادات محببة في ديننا الإسلامي وعاداتنا الأصيلة، لكنها للأسف بدأت تصبح من الذكريات في جدة، وعندما أتذكر العيد أيام طفولتي كانت الفرحة أكبر مما نتخيله في وقتنا الراهن، تبدأ بشراء الملابس وتجهيزها مساء ليلة العيد، التي لا ننام فيها من الفرحة وفي انتظار طلوع الشمس حتى نلبس ثياب العيد، والشنطة الصغيرة التي تكون من الأساسيات، ونتجول مع بنات الحي على الجيران والأهل لمعايدتهم وأخذ العيدية التي تختلف من شخص لآخر، وبعدها ننطلق لنكمل العيد في اللعب والمرح. علي عبدالكريم: العيد عندنا رحلة اجتماعية أبوسراج: نسهر في العيد حتى الصباح شيرين باوزير: العادات في العيد محببة في ديننا الإسلامي محمد هداية: مصلى العيد كان خارج جدة