بدأت - ولله الحمد - وتدريجياً تقل مدة الحجر المنزلي ولعلها في طريقها للزوال بعد أن تتأكد الجهات المسؤولة أن الوباء لم يعد يشكل ذلك الخطر الكبير على صحة المواطن والمقيم ولا بد أن نعرف أنه كلما قلت سلوكيات الالتزام بالحجر طالت مدته، وبمعنى آخر بأنه كلما تجاوز الأفراد قوانين الحجر امتد الحجر لفترة أطول، والسبب بالطبع زيادة انتشار المرض؛ ولكن لماذا يتجاوز البعض القوانين المفروضة علينا بالتزام البيت والتي هي في صالحنا وبهدف حمايتنا من وباء خطير جامح وذلك رغم الغرامة المرتفعة؟ والبعض كما ذكر وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة اعتبرها إجازة ووناسة وبدأ يخرج للاستراحات ويلتقي بالأهل والأصدقاء وهذا لا ينطبق فقط على الشخص العادي بل وقد تنتشر هذه السلوكيات حتى بين فئة ذوى التخصصات الصحية منهم من هو أقل حذرا من المرض من الفرد العادي كذلك هناك السلوك القبْلي السابق للمرض والسلوك البعدي وعوامل الشخصية التي تحتم وجود الفروق الفردية بين الأفراد في مدى تقبلها للحجر المنزلي وأخذ الحيطة بمعنى آخر وعلى سبيل المثال نجد أن الشخص الدقيق في نظافته قبل انتشار الوباء تزيد عنده هذه السلوكيات بعد انتشاره بل البعض عانى من عصاب الوسواس وسلوك غسل اليدين المتكرر. وقد تلقيت بعض الاستشارات النفسية في هذا الصدد، عموماً تفسير سبب سلوك بعض الأفراد الضاربين بالقوانين عبر الحائط تختلف من شخص لآخر أول هذه الأسباب: عدو لا يرى بالعين المجردة ولا تلمسه الحواس وحتى لا يسمع له صوت من الصعب تصديق وجوده أو حتى إن آمن الفرد بوجوده يظل هناك عجز في الرؤية المتكاملة لهذا الفيروس فهو بمثابة العدو الخفي. عندما أرسل الحوثيون صاروخاً على مدينة الرياض سمعه معظمنا وتلقينا اتصالات من الآخرين تطمئن علينا وذلك لأننا سمعناه. وحتى إن آمن الفرد بوجوده فهناك التحايل النفسي الذي يقول هذا المرض يصيب الآخرين ولكن هو بعيد عني أنا بالذات، حيلة نفسية مريحة للإنسان وعلى طريقة اللهم حولي ولا علي؛ فكثير من الناس يقود سيارته بسرعة وقد لا يربط حزام الأمان ويري العديد من الحوادث المؤلمة ولكن يستبعد حدوثها له شخصياً لذلك يرتاح الإنسان أكثر ويقتنع عندما يتحدث عن تجربته الشخصية أو تجربة عاشها لا تجربة الآخرين ونحن نقول "اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا" والسبب الثاني يتعلق بظاهرة نفسية أجريت حولها العديد من البحوث ويطلق عليها Optimism Bias "التفاؤل الخاطئ" تفاؤل غير صحي وغير منطقي يجعلنا نستبعد حصول الأمر السيئ لنا والسبب الآخر وهو مرتبط إلى حد كبير بالسبب الأول وهو طبيعة النفس البشرية التي طالما ظلت عاجزة عن ربط المقدمات بالنتائج أو السلوك وبما قد ينتج عنه وكلما بعدت هذه النتيجة ضعف الربط وقل احتمال حدوثها وكمثال لذلك فئة المدخنين التي لا تأبه كثيراً بالتحذيرات عن التدخين حتى يقع الفرد في مشكلة صحية سيئة وعندها فقط قد يقلع عن التدخين. لذلك فإن توقعاتي الشخصية تقول إنه كلما طالت فترة مكوث كورونا بيننا قل معها خوفنا منها خاصة إذا كنا من الفئة المحظوظة التي لم تر أي إصابة وكأن ذاتنا الداخلية تقول حتى الآن لم يحدث شيء. كذلك فإن عقولنا في الغالب مبرمجة على الخوف من المخاوف العادية أو اليومية في حياتنا والتي تعودنا على أنها مصدر للخوف لذلك فالخوف من مصافحة الآخر ومن القرب منه خوف جديد لم نتعود عليه من قبل، من ناحية أخرى ورغم تحذير وزير الصحة الذي قال بأن عدد الإصابات قد تصل إلى مئتي ألف إصابة ولكن أعتقد أنها غير مؤثرة في الجميع لأننا نميل لعدم تصديق لغة الأرقام ولغة الاحتمالات، بل إن الإحصائيات قد لا يفهما الفرد كما هي عليه فالإنسان العادي قد يرى في ارتفاع نسب الإصابات في الولاياتالمتحدة وانخفاضها في دولته مبرراً لعدم الخوف طالما لم يعرف كم تشكل نسبة الإصابة بالنسبة لعدد السكان. بالطبع يظل هناك عوامل أخرى قد تجعل بعض الدول تبدو أكثر إصابة من دول أخرى. على رأسها الشفافية في الإعلان عن عدد الإصابات فيها. وارتفاع نسبته في السعودية كانت النسبة الأكبر للمصابين بكورونا بين العمالة الوافدة والسبب تكدس العمالة في مساحات جغرافية ضيقة تنعدم فيها أبسط الشروط الصحية.