بحزن شديد ودّعت الساحة الأدبية علمًا من أعلامها وأحد فرسانها الشاعر المعروف علي بن بلال اليامي –رحمه الله– عقب تعرضه لوعكة صحية أدخل على إثرها العناية المركزة بأحد مستشفيات الرياض، والفقيد من كبار الشعراء الذين أثروا الساحة بجميل عطائه الأدبي من الأشعار الهادفة والمساجلات الرائعة. يا هيه حاول ما تجافي لك على الدنيا رفيق حتى تروح ويلحقك ولا يروح وتلحقه واللي يقول الناس ما فيهم صدوق ولا صديق تراه خير شوي ممن صادقه ويصدقه يقوله اللي يسبر المعنى بمنظار دقيق واللي غشيمٍ فالبنادم يعرفه من منطقه والرجل مثل البحر من طبعه عميق واللي مهو سبّاح ويطبه شوي ويغرقه ويُعد الراحل علي بن بلال –رحمه الله- من شعراء المحاورة التي بدأها عام 1971م، وكان له صولات وجولات في هذا الميدان الذي يتميز شاعره بسرعة البديهة والثقافة العالية وسعة الاطلاع، ومن أشهر محاوراته الشعرية التي جرت في دولة الكويت عام 1417ه بينه وبين الشاعر عبدالله بن شايق -رحمه الله- التي بدأها بقوله: سلام الله سلام الشاعر اللي ما خضع للناس خضع للواحد اللي له جميع الناس خضّاعه يقولون العرب من جا يسلم مرحبا لاباس وأنا ما جيت من عازه ولا نفسي بطماعه ابن بلال: هلا يا مرحبا ترحيبةٍ مثل الذهب وألماس وأنا رجّال صاحي والقمر يا زين مطلاعه نبي نعطيك ما جوبك ونحييها وهي درّاس وأنا ما قلت يا مضيق فضا ربي ولا قاعه وعلي بن بلال –رحمه الله- عرف بمواقفه الإنسانية، وبوطنيته الشامخة التي نجدها في جميل أشعاره التي يعبر فيها عن الاعتزاز بالوطن الغالي، فقد كان مخلصًا لوطنه مُحبًا لقاداته الأبطال، صادقًا في تعامله، طموحًا للنجاح.. ولا غرابة في ذلك فهو من الشعراء المجيدين للشعر الحقيقي الصادق، وكثيرًا ما تُصفق له الأيادي إعجابًا بما وهبه الله من ملكة شِعرية قوية صقلها بالتجارب وحسن الاطلاع. لا تصدق كل هرجٍ تسمعه وأعرف إنه ما يصحّ إلا الصحيح كل حجّه بالدلايل مقنعه والحقوق اتعم الابّكم والفصيح يالبيب اجمع ثلاثة وأربعه الحياة أسبوع .. سرك لا يبيح لا يغرّك مالك اللي تجمعه لا تلفّت للجبان ول الشحيح الكريم إن قام .. قام الله معه والبخيل ليا بغى يا قف يطيح قاله اللي ما تضيق به السعه يمدح اللي يستحقون المديح ونجد في أشعار الراحل عمق المعاني وبراعة التصوير وجزالة اللفظ منها هذه الأبيات التي يعبر فيها عما يجول في خاطره من أحاسيس ومشاعر، فقد باح عن ذلك بأعذب الحروف وأجمل الصور الشاعرية التي لا يجيد رسمها سوى الشاعر المتمكن من الشعر والمعنى الجزيل حيث أنشد: لي هجوسٍ قام يلعب دلجها تقبل وتقفي كنها اسراب ميراج وارجلي اللي ردّها عن نهجها مقدّرٍ بأسبابه الدرب ينعاج وعينٍ سهرها بالعباير مزجها تمطر كما يمطر من المزن ثجّاج وحالٍ تعرّضها الفراق وخجلها بسهومه اللي ما لها طب واعلاج والناس بالمجروح تضحك همجها غروٍ عرج بالقلب من غير معراج روحي وروحه بالمحبّه دمجها دمجٍ سلوكه من حريرٍ .. وديباج والشاعر علي بن بلال من الرجال الذين عشقوا الإبل ورددوها في أشعارهم، فقد كتب عديدًا من الأشعار الجميلة التي تدل على محبته العظيمة لها، ولها ملحمة شِعرية في الإبل نختار منها قوله: الشعر مع سفن الصحاري له مدار أحلّ وأفضل ما مشى فوق الديار وأغلى وأجمل ما خلقه الله جهار البِلْ عطايا الله هذا عنوانها إذ قال فيها كيف خُلقت بالكتاب يصعب علي التعبير والشعر والجواب إلا أنها عبرة ومنشاها السحاب مال وجمال وعظّم الله شانها غاثت نبي الله صالح وأمّته وليا أقبلت للبير شربت جمّته لين عقَروها القوم والله نقمته حاطت علي اللي سببوا فقدانها حتى قال: وهي الهدايا اللي تسكت كل فم وهي الكبارة للزعيم اليا زعم لعل دارٍ ما لها فيها قسم مع الزلازل تنفجر بركانها وهي الكسايب ل التقوا قوم وقوم أحد تصير أبعد عليه من النجوم واحد كسبها غصب من فوق الخشوم ليا رقص للمعركة شيطانها ياما وياما من هجاد ومن صباح للخيل والفريس حمران الرماح وقومٍ حموها ف المفالي والمراح وقوم تضويها بضرب ايمانها لولا غلاها ما سرح فيها ذياب فوق الأصيل اللي كما فرخ العقاب ينوب عن تسعين فارس بالحساب اليا قضب سرج الفرس وعنانها ختامًا؛ نسأل الله سبحانه تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يصبغ عليه شآبيب الرحمة، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.. إنه سميع مجيب..