أستطيع القول إن الشفافية التي انتهجتها السعودية منذ بداية أزمة جائحة كورونا، تعتبر أبرز الأمور التي ميزت سياسة المملكة في ظل هذه الجائحة التي تضرب العالم بأسره.. وهذه الشفافية أو الصراحة المؤلمة (إن جاز التعبير)، هي السبيل الأمثل للعبور بهذه الأزمة لبر العلاج. وفي ظل هذه الشفافية الكبيرة، تأتي تصريحات وزير المالية محمد الجدعان، في لقائه مع قناة العربية، لتضع التشخيص على الحروف، فعلى الرغم من صعوبة الكثير من مضامين تصريحاته، التي وصفها بالمؤلمة، لكنها تمثل الواقعية المدججة بالعقلانية، ووضوح الطريق، وقوة المواجهة، لنخرج من هذه الأزمة أقوى مما دخلناها، كما قال وكما نؤمن. وحتى نرتب الفكرة، فالأزمة الحالية التي سببتها جائحة كورونا ليست أزمة عادية، فلم يمر العالم منذ الحرب العالمية الثانية بجائحة كهذه تضرب قاراته ودوله، ولا ينجو من آثارها السلبية أحد، خصوصاً في ظل استمرارها وعدم وضوح الرؤية بخصوص وقت غروبها، ولذا تأتي الحاجة الماسة إلى زيادة الإجراءات الاستثنائية لضبط المالية العامة لأن المشوار ما يزال طويلاً، والذي سيتمثل (كما هو واضح) في الحد من النفقات وتوجيه جزء منها للرعاية، وإلغاء مشروعات أو تمديدها أو تخفيف الإنفاق عليها في الوقت الحالي، وهي الحلول التي أكد عليها الوزير، في الوقت التي لم تظهر فيه آثار كورونا الاقتصادية بعد، حيث من المتوقع أن تظهر آثارها على ميزانية الربع الثاني والثالث والرابع. من المهم أن نشير إلى احتواء حديث الوزير على تأكيد عدة أمور مهمة في سياسة المملكة في مواجهة هذه الآثار السلبية، ويأتي في مقدمتها عدم المساس بمعيشة المواطن، مع الاهتمام أولاً بالجوانب الصحية، فاتخذت إجراءات سريعة لسلامة الإنسان، وضمان سير العملية الصحية على الوجه الأمثل للمواطن والمقيم على حد سواء، بالإضافة إلى ضمان استمرار الخدمات الأساسية وعدم تأثرها، بما تمر به البلاد من ظروف استثنائية. والأمر الآخر هو أن السعودية واجهت كورونا من موقف قوة اقتصادية، بالرغم من انخفاض النفط وبالتالي انخفاض الإيرادات، بخلاف الإيرادات غير النفطية التي تأثرت بالطبع بسبب الإغلاق والإجراءات الاحترازية، فرأينا حزم دعم متنوعة بمبالغ كبيرة، تستهدف الحد من الآثار السلبية للجائحة على الاقتصاد، والمحافطة على وظائف المواطنين في القطاع الخاص. والسلام..