لا يخفى على أحد ما تتمتع به المملكة من مرونة وقدرات على استخدام وتسويق وتصدير نفوطها (المملكة لديها أكثر من نوع من النفط) إلا أن كثيرا من الذين يتصدرون وسائل إعلام معادية للمملكة، وينصبون أنفسهم "محللين" في مجال النفط والاقتصاد، يتحدثون عن تأثير انخفاض الطلب على النفط والأسعار على اقتصاد المملكة وأغلب ما يستحضرونه من استشراف لتبرير ما يذهبون إليه هو في الحقيقة أهواء وأمنيات مسيّسة، لا تمت بصلة إلى الحصافة أو الموضوعية التي يفترض أن يتصف بها "المحلل" بل توغل في توقع آثار غير حقيقية متجاهلين قوة المملكة المتمثلة في أن حجم الناتج القومي لها يمثل نسبة مهمة من الناتج القومي العالمي وكبر حجم مساهمتها في التجارة الدولية وإمكانياتها الاقتصادية جعلتها الدولة العربية الوحيدة من مجموعة العشرين منذ أكثر من عشرة أعوام وترأس المجموعة حالياً، كما يتجاهل هؤلاء أن مثل هذه الحالة المتمثلة في انخفاض أسعار النفط وتداعياتها تكررت عدة مرات في الأربعين عاماً الماضية ولم تؤثر عليها بالشكل الذي يعتقده أو يتمناه هؤلاء وهى الآن - ولله الحمد - أكثر خبرة وإمكانية وأقل اعتماداً على عرض نفطها بالشكل الذي يعتقدونه. إن ما يجهله أو يتجاهله هؤلاء (الإعلاميون) أن المملكة حاليا سوف تنتج نحو ثمانية ملايين ونصف المليون برميل من النفط الخام يوميا بعد الاتفاق الأخير بين مجموعة أوبك+ وهي في الحقيقة تستهلك وتستخدم ما بين (5 إلى 6) ملايين برميل يوميا جزء بسيط منه في نشاطات اقتصادية محددة والجزء الأكبر مخصص لمصافي التكرير المحلية والمملوكة لأرامكو خارج المملكة في الولاياتالمتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية والفلبين وغيرها وهذا يعني أن أكثر من 70 % من الإنتاج يستهلك ويوجه لنشاطات أخرى مرتبطة بالاقتصاد الوطني المحلي يحقق عائدات مالية واقتصادية أضعاف العائدات المحققة من بيع النفط الخام، وباقي المنتج من النفط والذي لا يتجاوز 30 % يوجه لمصافي دولية لديها عقود إمداد طويلة الأمد مع أرامكو وقد تضطر أرامكو للتفاوض مع عملائها لتخفيض المخصص لكل عميل للوفاء بالتزاماتها في اتفاقيات تخفيض الإنتاج، كما قد يخفى على الكثيرين أن لدى أرامكو ذراع تجارية تشترى عند الحاجة من السوق نفط خام ومشتقات نفطية لتلبية طلبات عملائها إذا تعذر تأمينها من مصادر إنتاجها. من المؤسف أن كثيرا من هؤلاء الإعلاميين لا يدركون ما لدى شركة أرامكو من قدرات هائلة كونتها عبر السنين في الوصول إلى كل الأسواق وتوفير أنواع مختلفة من النفط لا تكون متوفرة عند كل المنتجين وأكسبها القدرة أن تنافس بعض الدول المنتجة في أسواقها المحلية وتحصل على حصة من تلك الأسواق، وأذكر في هذا الخصوص قبل نحو عشرين عاما حينما كنت أعمل في الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري (بحري)، تواصل معنا مصفاة في كندا تستورد نفط خام من أرامكو وأعتقد أن هذا العميل مستمر حتى الآن، مع أن كندا منتجه ومصدره للنفط، ولكن لأسباب مرتبطة بنوع النفط وتكاليف لوجستية اختارت هذه المصفاة أن تعتمد على نفط مستورد من أرامكو، وعلى ما أتذكر أن المخصص لهم من أرامكو كان نحو (45) ألف برميل في اليوم، وعرض علينا عميل أرامكو الكندي أن يستأجر عددا من ناقلات الشركة بعقد طويل الأمد وبإيجار يومي أعلى من سعر السوق، بشرط أن ندعم طلبهم لدى أرامكو لمضاعفة المخصص لهم لما يعادل (90) ألف برميل لليوم، وعملنا في الإدارة التنفيذية على إيصال هذا الطلب عن طريق رئيس مجلس الإدارة بذلك الحين الأستاذ سليمان الحربش بحكم أنه معين من الدولة التي تمثل أكبر ملاك شركة بحري وهو أيضا ابن وزارة البترول وما زال على رأس العمل في ذلك الحين مستشارا لوزير البترول ومحافظ المملكة في أوبك واهتم بهذا العرض كثير وطلب منا تزويده بحجم الأثر المالي على الشركة وعلى الاقتصاد إذا تم التأجير المقترح، وبذل جهد كبير لإقناع أرامكو بأهمية عقود التأجير للشركة وأن موافقة أرامكو على طلب هذا العميل سوف يكون دعما مباشرا لشركة وطنية، وبعد عدة أيام من الاتصال والمتابعة من قبل رئيس المجلس أبلغنا بعدم موافقة أرامكو على طلب العميل حيث إن الالتزامات الحالية لأرامكو لا تسمح بتعديل مخصصات العملاء من مشتريات النفط الخام في ذلك الوقت تحديداً، وكما ذكرت سابقاً أن الهدف من رواية هذا الحدث هو التعريف ببعض قدرات المملكة ممثلة في ذراعها الوطنية شركة أرامكو على تصدير النفط إلى أسواق دول منتجة ومصدرة للنفط. النفط ليس سلعة تنتج وتعرض على ناقلة في البحر للبحث عن مشترين لدولة بحجم وإمكانيات المملكة الإنتاجية واللوجستية والقدرة والخبرة التسويقية، النفط مادة أساسية عدم ضمان توفرها ووصولها في أوقات محددة يؤثر على اقتصاديات وحياة شعوب الدول التي تعتمد على استيراده والمملكة من هذا المنطلق تتعامل مع هذا الجانب بمسؤولية وكمصلحة مشتركة مقابل التزام متبادل في كل الأوقات والظروف لذا فإن المملكة أقل الدول يمكن أن تتأثر في ظل انخفاض الطلب على النفط واستطيع أن أجزم بأنه لا يوجد في المملكة كميات من النفط لا يمكن تصريفها، أما التأثير المادي من انخفاض أسعار النفط فنحن جزء من الاقتصاد العالمي ونتأثر بظروفه سلباً أو إيجاباً ولا يمكن أن نكون استثناءً، ولكن الحكمة في إدارة الموارد تتجسد في وجود احتياطيات مالية بالمملكة تعتبر من الأكبر على مستوى العالم وجدت لدعم الاقتصاد في مثل هذه الظروف إذا دعت الحاجة لها، وعليه فإن وضع المملكة بفضل الله مطمئن ولديها من القدرات ما هي كفيلة بتجاوز هذه المرحلة بأمان إن شاء الله. *عضو مجلس الشورى