منذ ظهور كورونا الجديد في الصين وانتشاره في العالم والحكومات على المحك، اختلفت إجراءات احتواء الفيروس الجديد لكن أكثرها فشل حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي عن ارتفاع تصنيف المرض من وباء إلى جانحة. ورغم أن الحكومات اتبعت الإرشادات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية مع اتضاح جوانب من خصائص هذا الفيروس الجديد إلا أن انتشار الفيروس في ازدياد، فمن أهم خصائص كورونا الجديد سرعة انتشاره لقدرته على البقاء طويلا على الأسطح المكشوفة، ونتيجة لسرعة انتشار الفيروس فقد أصبحت الحكومات في تحد لاتخاذ القرار الصحيح بسرعة وكفاءة، وكما يتضح من أرقام الدول المصابة، فإنها تعكس في الحقيقة كفاءة مؤسسات هذه الدول في التصدي لهذا الوباء مبكرا. جاء كورونا الجديد اختبارا قاسيا للحكومات التي ترزح في البيروقراطية وضعف القرار الإداري، وكاشفا للحكومات التي لها حسابات سياسية ظهر تخبطها بجلاء، ومع تدارك بعض الحكومات للأمر، فإن علينا أن نشيد بكفاءة الإجراءات التي نفذت في المملكة، فهي إجراءات حازمة بنيت على دقة المعلومة وسلامة المنهج، وإن كان العبء في مواجهة هذا الوباء على وزارة الصحة إلا إن الجهات الأخرى مثل وزارة التعليم قد أبدت استجابة سريعة تنم عن العافية الإدارية التي تنعم بها الحكومة اليوم على مستوى منظومة اتخاذ القرار. إن الكفاءة التي أظهرتها الدولة في التصدي لكورونا الجديد تدل على أننا نمتلك مؤسسات قادرة على التنفيذ المحكم، وإن كانت همتنا تتطلع إلى المزيد فإن سر التقدم لا شك مثلث مكون من العزيمة على التطوير، والاعتراف بالفشل، والتصحيح المستمر. الدول التي فشلت في مواجهة جائحة كورونا فشلت في إحدى أضلاع المثلث أو كلها، إيطاليا لم تعترف بالفشل إلا متأخرا، ولم تصحح بالسرعة المطلوبة، وهذا ينطبق على أوروبا عامة، حين يصرح رئيس وزراء بريطانيا أن الفشل حتمي وأن الجائحة ستصيب أغلب سكان المعمورة، فإن ذلك عجز عن التطوير والتصحيح المستمر، وعندما تفشل في الكشف عن الحالات طبيا كما في إيران فقد فشلت في أضلاع المثلث كلها. التراخي في اتخاذ إجراءات حازمة في أميركا وأوروبا له اعتبارات اقتصادية سياسية لا إنسانية. السياسيون يرون أن التصدي للوباء بقوة في بدايته معطل للاقتصاد مما أضعف الهمة على التطوير والتصحيح، أما وقد اجتاح العالم فأصبح مفسدا للسياسة، إذا كان السياسي يصور للناس أن الجائحة ستصيب الجميع تهربا من الاعتراف بالفشل، فقد كشفت الجائحة أسس القرار الحكومي، أمام الفشل الذي بدا واضحا، هل يجرؤ السياسي على حبس الناس في بيوتهم والانتخابات على الأبواب؟ ربما لا يستطيع وإن أراد، لكن الإجراءات الصارمة التي نفذت في الصين وكوريا كشفت التباين الواضح بين الأنظمة، ربما تتشابه الأنظمة ظاهريا، لكن جاءت هذه الجائحة لتكشف القيم التي بنيت منها على حقيقتها أمام العالم.