الإجراءات الاحترازية الصارمة التي انتهجتها المملكة لمواجهة فيروس كورونا المستجدّ (covid-19)، أصبحت مثالاً رائعاً يُحتذى به في طرق وأساليب الوقاية من الأوبئة والأمراض، فقد اتسمت تلك الإجراءات بالشفافية والوضوح، ورغم صرامتها ودقتها إلا أنها تدرجت وتمرحلت بشكل يتناسب مع طبيعة وظروف تمدد وانتشار هذا الوباء الخطير الذي أصبح كابوساً مخيفاً يُهدد العالم بأسره. ومنذ البدايات المبكرة، جندت وزارة الصحة وبقية الجهات والهيئات ذات العلاقة جهودها وإمكانياتها عبر سلسلة صارمة من الإجراءات والقرارات الوقائية المشددة، طالت كل المرافق والقطاعات والبيئات لمنع انتشار هذا المرض الخطير. تلك مقدمة ضرورية، قد تُمهد للكتابة عن قرارين مهمين اتخذتهما الحكومة السعودية ضمن حزمة كبيرة وكثيرة من القراءات والإجراءات الوقائية لوقف تمدد وانتشار هذا الفيروس الخطير، سواء في الوطن أو في العالم. القرار الأول؛ تعليق العمرة والزيارة للحرمين الشريفين وتنظيم الصلاة فيهما بشكل مؤقت، وهو قرار حكيم وحازم لتجنيب الوطن والعالم بأسره من فرص الإصابة والعدوى بين أوساط الملايين من المعتمرين والزوار القادمين للمملكة والمغادرين لكل دول العالم والذين سيؤدون صلواتهم وأعمالهم ومناسكهم وزيارتهم في أماكن ومناطق محددة ومزدحمة. قرار تاريخي كهذا، يؤكد النهج الراسخ لبلادنا التي تتحمل مسؤوليتها الدائمة للحفاظ على أمن وسلامة العالم. القرار الثاني، لا يقل جرأة وصرامة عن كل القرارات والإجراءات الاحترازية لمنع تفشي وتمدد هذا الوباء الخطير، حيث تم تعليق الدخول والخروج من محافظة القطيف، إضافة إلى وقف العمل في جميع الدوائر الحكومية والمؤسسات وذلك بشكل مؤقت لوجود أغلب الحالات المسجلة لفيروس كورونا المستجدّ في هذه المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها النصف مليون نسمة، قرار حازم وجريء كهذا، يؤكد حرص واهتمام صنّاع القرار في هذا الوطن العزيز على سلامة وأمن المواطنين والمقيمين في هذه الجزء المهم من الوطن، وحتى لا ينتشر هذا المرض الخطير لباقي المحافظات والمدن في المنطقة الشرقية، والدولة حريصة كل الحرص على حماية وحفظ كل مناطق ومدن الوطن بلا استثناء، وهذا الإجراء الضروري يُمثل خطة استباقية للقضاء على هذا الوباء في محاضنه وعدم السماح لانتشاره وتمدده، وهناك تجارب وأمثلة كثيرة على مثل هذه الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدولة، لعلّ أشهرها محاصرة وباء حمى الوادي المتصدع سيئ الصيت الذي أصاب منطقة جازان في العام 2000، وكيف تمت محاصرة ذلك الوباء الخطير ومنع تمدده لمناطق أخرى. لا شك أن هذا الوباء الذي يجتاح العالم حتى الآن، يُثير الخوف والذعر، فالأرقام والخسائر مخيفة، ولكن ولله الحمد، كل الأمور في وطننا العزيز تحت السيطرة وفي تحسن مستمر، كل ذلك بفضل الله ثم حرص القيادة الرشيدة ووعي المجتمع السعودي. فيروس كورونا المستجدّ، رغم خطورته، ينسج تجربة إنسانية مثيرة، تتأرجح غالباً ما بين الخوف والترقب، ولكن ثمة ما يستحق الملاحظة والرصد في قصة هذا الوباء، ولعلّ أروع ذلك على الإطلاق هو حالة التعاطف والترابط والمحبة التي يُبديها كل السعوديين فيما بينهم، خاصة مشاعرهم الكريمة وأمنياتهم العذبة لمحافظة القطيف التي يستمد أهلها القوة والأمل من تلك المشاعر النبيلة والدعوات الجميلة من كل أنحاء الوطن، تتحوّل القطيف إلى كل الوطن. الوطن الذي يستشعر أبناؤه بوعي ونبل قيمة التوحد والتماهي في حب الوطن، كل الوطن، يستحق الفخر والمجد. حمى الله هذا الوطن الكبير من كل سوء، ووفق قيادته الرشيدة وحفظ شعبه الأصيل. ما أروع مشاعر الحب الذي تعيشه القطيف، بل كل الوطن، حتى وإن كان في زمن الكورونا، مع الاعتذار للروائي الكولومبي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب غابرييل غارثيا ماركيز، صاحب الرواية الشهيرة "الحب في زمن الكوليرا".