نقف اليوم على مشهد مسموم يطعن حقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية ضارباً عرض الحائظ كل القرارات الصادرة عن الأجهزة المختلفة للأمم المتحدة التي وضعت في سلم أهدافها صيانة السلم والأمن الدوليين، ومن بين تلك الأجهزة «مجلس الأمن» و»الجمعية العامة»؛ ذلك المشهد ما أطلق عليه «صفقة القرن»، وأسوأ ما فيها أن صاحبها هو رئيس الدولة العظمى في عالم اليوم. «صفقة القرن» هذه أُعدت لتقف إلى جانب الباطل على حساب الحق، متجاهلة تماماً صاحب هذا الحق وهو الشعب الفلسطيني الذي اختار نهج السلام سبيلاً لنيل حقوقه كاملة غير منقوصة. لكن يبقى الحق أبلج، ويبقى الضمير الحي أقوى، فقد جاء رفض هذه الصفقة بداية على لسان الأخ الرئيس محمود عباس؛ رئيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ثم جاء الرفض العربي الجامع على لسان جامعة الدول العربية التي عقدت اجتماعاً خاصاً لوزراء الخارجية العرب بحضور الأخ الرئيس محمود عباس الذي قدم كلمة وافية تناولت خلفيات «صفقة القرن» وأبعادها وتداعياتها، وقد نال تأييد شعبه له وهو يعيد للذاكرة البعد العربي، والعمق الإسلامي، والضمير الإنساني، للقضية الفلسطينية، ثم وهو يعلن وقف العلاقات الفلسطينية مع دولة الاحتلال بما في ذلك مسألة التنسيق الأمني، وكذلك وهو يعلن رفضه لأي تواصل مع صاحب صفقة تتجاهل حقوق شعبه وعدالة قضيته. وقبل ذلك جاء الرفض مدوياً من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي سارع عقب إعلان الصفقة المشؤومة بمهاتفة أخيه الرئيس محمود عباس مؤكداً أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى لبلاده التي لن تقبل إلا ما يقبله الشعب الفلسطيني وقيادته، وهو الأمر الذي عبّر عنه سعادة سفير فلسطين في الرياض الأخ باسم الأغا عبر مداخلة صوتية في لقاء تلفزيوني بأن هذا الاتصال جاء بلسماً شافياً للجرح الفلسطيني. ثم جاء الرفض صارخاً على لسان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عبر اتصال هاتفي مباشر بأخيه الرئيس محمود عباس، وعبر تصريحات جلالته المتكررة المؤكدة أن القدس خط أحمر، وأن موقف الأردن من «صفقة القرن» معروف جداً و»كلا واضحة جداً للجميع». وجاء الرفض الإسلامي على لسان الأمير فيصل بن فرحان؛ وزير الخارجية السعودي، الذي أكد الموقف السعودي الحاضن للقضية الفلسطينية، والمساند للشعب الفلسطيني بوصفه الطرف الرئيس الذي لا يمكن تجاهله في إقامة السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، ولا بديل عن نيله حقوقه المشروعة في عودته إلى أرضه، وفي إقامة دولته المستقلة على كافة أراضيه المحتلة عام 1967م، مجدداً هذا الموقف في الاجتماع الذي عقدته منظمة التعاون الإسلامي في جدة يوم الاثنين 3 فبراير 2020م، ومؤكداً بما لا يدع مجالاً للشك أن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية الأولى لهذه المنظمة، مبيناً أن هذه المنظمة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتضامن مع الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضيته العادلة، والوقوف إلى جانبه في كافة المحافل الإقليمية والدولية، ودعم خياراته بما يكفل إنهاء معاناته واستعادة حقوقه. ومن ثم انطلقت المواقف المؤازرة للشعب الفلسطيني من هنا وهناك عبر مختلف القوى السياسية الدولية التي رفضت «صفقة القرن» ووصفتها بأنها ولدت غير قابلة للحياة. وبالتالي أختصر القول بأن هذه الصفقة بكل ما اشتملت عليه باطلة، ومرفوضة، ولن تمر مهما كلف الأمر.