تعيش الأوساط السياسية الأميركية منذ فترة حربا شعواء شرسة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية، هذه الحرب في الداخل الأميركي يعدها الطرفان حرب بقاء (أكون أو لا أكون)، يحاول كلا الطرفين المتنازعين الحفاظ على رؤيته لما يجب أن تكون عليه مكونات المجتمع الأميركي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتعليم، وحتى الدستور والنظام الانتخابي. المملكة ليست الحزب الجمهوري أيها المتآمرون حربٌ كانت منابر إعلام اليسار الأميركي طرفاً أساسياً وفاعلاً فيها، ومن أبرز تلك المنابر: نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وسي إن إن. هذا الإعلام أصبح خلال الستة عقود الماضية يسيطر على المسرح السياسي، والاقتصادي، ويتحكم في صناعة القرار من خلال تسليط الأخبار والتقارير السلبية المفبركة التي تهدد شعبية السياسيين، وتقضي على حظوظهم وفرصهم بالعمل داخل المجال السياسي، وعلى النقيض تماماً متى ما كانت برامج وسياسات المتطلعين للعمل السياسي تتوافق مع أهدافهم وتتبنى فكرهم.! والتاريخ الأميركي يحتوي كثيراً من الشواهد التي توثق هذا التاريخ الأسود من التحيز وانعدام الموضوعية والمصداقية، وخير شاهد على ذلك ما حصل للرئيس بيل كلينتون في فضيحة استغلال السلطة، والتحرش الجنسي، ففي تلك الفترة وقف الإعلام ضد الضحايا، وهاجمهم، واتهمهم بالكذب بالرغم من كل الحقائق والأدلة الدامغة!. هذا النموذج في التحيز وعدم الموضوعية تكرر بشكل دائم، وكان الرئيس السابق (أوباما) بلا منازع من أبرز المستفيدين منه، فبالرغم من إخفاقاته السياسية كما حصل في اتفاقية إيران التي رفض مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة المصادقة عليها، ونتج عنها زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، وبعثرة أوراق عملية السلام، بالإضافة إلى سياساته الاقتصادية التي ساهمت في تصاعد الدين العام بنسبة وصلت إلى 60 % خلال فترة حكمه، وارتفاع معدلات البطالة والفقر- خصوصا بين الأقليات - إلا أن الإعلام كان يمجده ويخفي كل عيوبه التي انعكست بشكل كارثي على المواطن الأميركي وعلى علاقة أميركا بحلفائها.! ومن أبلغ الشواهد على هذا التحيز، ما حدث في العام 2012 عندما لم يعطِ إعلام اليسار قضية قتل السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين في بنغازي أهميةً كافية، بل زوّر كثيراً من أحداث تلك الكارثة؛ لا لشيء إلا أن الحادث كان في عهد أوباما الذي يعد مدلل الإعلام الأميركي.! ومن آخر الشواهد على هذا التحيز والترهل الإعلامي، موقفه من فضيحة حاكم فرجينيا (رالف نورذم) الديموقراطي اليساري العام المنصرم، الذي نافق وما زال يناكف إعلام اليسار في الدفاع عنه، ودفن أي معلومات حول ظهوره في صورة تكشف عنصريته وانتقاصه لذوي البشرة السوداء! ولو كان حاكم فرجينيا جمهورياً لغيّب عن الشمس.!! في المقابل تجد إعلام اليسار الأميركي يتتبع زلات الجمهوريين، بل يصنعها إذا ما تطلب الأمر ذلك! وفقاً لذلك كان الجمهوريون يتجنبون أي صدام مع الإعلام، وفي هذا السياق كانت النصيحة الوحيدة التي قدمها رونالد ريغان لبوش الأب بعد فوزه بالانتخابات العام 1989م هي: "تجاهل الإعلام".! هذه النصيحة كان الجمهوريون يعملون بها إلى أن فاز دونالد جي ترمب بالانتخابات في العام 2016، فبعد انتصار ترمب (ممثل الحزب الجمهوري) انقلبت المعادلة رأساً على عقب! فبخلاف ما عرف عن الرؤساء السابقين للحزب الجمهوري من الخضوع لإعلام اليسار، وعدم قدرتهم على تقويض خططهم، واجه ترمب الإعلام بكل شراسة؛ من خلال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي وأبرزها (تويتر)، بالرغم من معارضة جميع مستشاريه! أعلن من خلال هذه المنصة الحرب بلا هوادة على الإعلام، حتى أصبحت هذه الوسيلة اليوم هي الأكثر مصداقية واستخداماً فى أميركا لمعرفة ما يدور داخل المشهد السياسي.! ترمب قرر منذ بداية حملته الانتخابية أن يقف أمام الإعلام، وأطلق عليهم اسم "الإعلام المزيف"، بالرغم من كل العواقب المتوقعة. وبالفعل كشّر إعلام اليسار عن أنيابه المسمومة متجاهلاً حق الشعب الأميركي الذي اختار الرئيس ترمب بأغلبية ساحقة، وقطع لجام التحيز وعدم المصداقية، من خلال تزييف الأحداث من خلال المصادر غير المعروفة، وإدارة المؤامرات ضد ترمب عبر استئجار واحتضان كل من يرغب حقن سمومه داخل جسد إدارة ترمب من المحللين السياسيين، والاقتصاديين، والقانونيين، الذين عملوا لصالح إدارة أوباما، ومن أبرزهم على سبيل المثال: جون برانين - مدير وكالة المخابرات المركزية، وجيمس كومي - مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ونائباه أندرو مكيب، وبيتر ستروك، ورئيس الاستخبارات - جميس كلابر. هذا التحالف تمكن من إدارة عدد من المؤامرات، كان من أبرزها المساهمة في إقناع الرأي العام بأن ترمب قد تواطأ مع الحكومة الروسية للفوز بانتخابات 2016، دون وجود أي دليل مادي على ذلك؛ إلا أن ترمب أُرغم على تعيين المحقق الخاص "مولر"، وفتح تحقيق بشكل رسمي؛ للنظر في مدى صحة هذا الافتراض. استمر التحقيق قرابة الثلاث سنوات، وصرف عليه عشرات الملايين من أموال الضرائب دون أي تقدم يذكر، عدا تشويه سمعة ترمب أمام الشعب الأميركي، وهو ما تحقق بالفعل، وكان سبباً أساسياً في خسارة الأغلبية الجمهورية داخل مجلس النواب؛ ليضع حجر الأساس للمؤامرة التالية.! بحسب استطلاعات الرأي قبل خروج نتائج تحقيق مولر، كان 47 % من الشعب الأميركي على قناعة تامة بأن ترمب سيُدان، وهذا دليل مادي على قدرة إعلام اليسار. وعندما فشل هذا التحقيق وخرج منه ترمب منتصراً، لم يتوقف الإعلام - بالتعاون جنباً إلى جنب مع الديموقراطيين - عن مساعيهم للانقلاب على ترمب والإساءة إليه. لذلك بدأت مرحلة جديدة من تزييف الحقائق وخداع الشعب الأميركي، والانطلاق من خلال مكاسب المؤامرة السابقة، والمقصود هنا الفوز بمجلس النواب الذي يملك الحق في مساءلة ترمب بعد فبركة التهم كما يحدث اليوم، من خلال اتهام ترمب باستغلال السلطة وإعاقة عمل الكونغرس، وإحالته للمحاكمة في مجلس الشيوخ دون أي دليل يذكر! عدا تقارير إعلامية لن تحقق أي شيء، وسيكون مصيرها كمصير سابقتها، ولكن ستترك بقعة سوداء في تاريخ ترمب، كما أراد لها الإعلاميون المستأجرون والديموقراطيون، الذين لم تعد مصلحة الشعب الأميركي ذات أولوية أو اهتمام.! ومن الشواهد كذلك على حدة الحرب الإعلامية ضد ترمب تصويره على أنه عنصري وليس رئيس لكل الأميركيين بالرغم من أن منظومة (بلاك) ، وهو تنظيم تحالف وطني من السود الجمهوريين والديموقراطيين والمستقلين الذين يركزون على إصلاح العدالة الجنائية؛ تمنح ترمب "جائزة العدالة التوافقية" لجهوده في محاربة الجريمة وبالرغم من ذلك لا تكاد تجد لهذا التكريم أي ذكر في إعلام اليسار. وفي سياق تحيز إعلام اليسار ليس أبلغ من الفضيحة التى كشفتها وكالة بروجكت فيريتاس عندما نشرت تسجيلات أعدها "كيري بورتش" تحتوى أدلة دامغة على تحيز قناة سي إن إن ضد ترمب وبصوت رئيسها التنفيذي "جف زكر". نجاح إدارة ترمب في محاربة الاٍرهاب وتحقيق انتعاش اقتصادي لم يشفع له، بل كان هذا النجاح بمثابة سكب الزيت على النار، وحافزاً لاستنفاد كل الجهود المتاحة لإعاقة هذا النجاح - بما في ذلك مهاجمة حلفاء أميركا الاستراتيجيين، الذين تعد علاقتهم بمثابة شريان الاقتصاد الأميركي وفاعلاً أساسياً في محاربة الاٍرهاب، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية -، فترمب وجد أن السعودية بوصلة الحكمة داخل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة؛ لذلك كانت أول دولة يزورها بعد تنصيبه. لكن هذا التقدير لأهمية السعودية من قبل ترمب جعل المملكة في مرمى الهدف، وعائقاً لخطط إعلام اليسار؛ لذلك توجب فعل كل ما هو ممكن للإساءة إلى المملكة، بما في ذلك استئجار أقلام الخونة، وحياكة المؤامرات، وكتابة التقارير المفبركة تحت أسماء مشبوهة، ومصادر غير معروفة. كان آخر هذه التقارير المفبركة حول "جيف بيزوس" مالك صحيفة واشنطن بوست، وحول هذا التقرير علق وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان تعليق المتبصر بخفايا الإعلام الأميركي فأصاب كبد الحقيقة عندما قال: "إن التقرير في خاتمته ذكر عدم وجود دليل مادي يؤكد المزاعم المذكوره داخله!!" كذلك أشار إلى أن التقرير "اعتمد على مصادر خاصة وغير موثقة". وبالفعل تبين بحسب الأدلة التي بحوزة وزارة العدل الأميركية أن منشأ التسريب كان عبر رسالة نصية مرسلة بتاريخ 10 مايو 2018 من هاتف لورين سانشيز، صديقة بيزوس، إلى شقيقها مايكل سانشيز مما يثبت أن مصدر التسريب هو شقيق العشيقة، وليس كما نشر وزور من خلال الإعلام بأن المملكة خلف هذا التسريب. هذا الإعلام القذر الذي يريد أن يكون "السلطة الرابعة" على الشعب الأميركي المغلوب عل أمره لن يتوانى في مهاجمة المملكة، لكن يجب أن يدرك هذا الإعلام بأن المملكة ليست الحزب الجمهوري، وليست الشعب الأميركي، وليست جمهورية موز، المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة وتقود العالم الإسلامي والعربي والاقتصاد العالمي، وفاعل أساسي في نجاح برامج الأممالمتحدة - بما في ذلك السلام، والتنمية المستدامة، والأمن الغذائي، والفقر - ولن تتوانى في الدفاع عن سيادتها متى ما تطلب الأمر ذلك.