لم تكن مشاركتي في برنامج المسابقة الثقافية الشِّعريَّة الأكبر على مستوى الوطن العربي - أمير الشُّعراء - والمنظَّم من هيئة التراث والثقافة في أبوظبي في موسمه الرابع عام 2010 م رغبةً في الفوز! ولا محاولة تحدٍّ معلوم بقدر ما كانت فضولاً معرفيَّاً عابراً بما يدور خلف أستار مسرح شاطئ الراحة موطن تجمع الشُّعراء الشَّباب العرب من أقاصي الدول العربية وبلاد المهجر. وربما كانت تجربة لقياس مستوى الشَّاعريَّة بينهم وخلق علاقات ثقافية جمالية مع المشاركين لك في الموهبة والهاوين غواياتها في خِضَم التَّجارب الحياتيَّة في مجالات العبور لضفاف الجمال! وما كنتُ اظنُّ أبداً أن الوقوف أمام لجنة تحكيم ابداعي تضمُّ نقَّاد أكاديميين مُختصِّين في موسيقى الشِّعر وفُنون الإلقاء وعلوم اللُّغة ودراميَّة المشاهد التَّجسيديَّة للقصائد المُلقاة بالأمر الهيِّن أبداً، وكذلك وأنتَ تقفُ أمام كاميرات التصوير الفضائي في استوديوهات التَّسجيل، ولا بالأمر المُعتاد في اختبارات شاعريتك عبر ارتجال الشِّعر الفوري المُؤقَّت بمدَّة معلومة على أثر إيقاع موسيقى الحماس المتلاعبة بأعصابك وأنت في لحظة خلق أبياتٍ تتطلَّبُ أن تكون متناغماً فيها وغرض الموضوع المطلوب منك من لجنة التحكيم! لم أكن ساعها وأنا أتَّكِئُ على فطرتي السليقيَّة المعتادة وأرتجلُ خمسة أبياتٍ في الشَّوقِ والاشتياق لأجلجِلُ أستوديو التَّسجيل بالإلقاء الحماسيِّ المعروفة فيه تهمني نتيجة الاعتماد من عدمها بقدر ما كنتُ في صراعِ تحدٍّ مع النَّفسِ الغاوية التَّنمُّر المُغامراتيِّ المعتاد في كثير من ارتجالات الحياة! واعتقدُ أنَّ إجازة الشاعر بالإجمالِ أو بعضيَّة التحكيم لا تعني تملكه زمام الشاعرية كما أن عدم إجازته لا تنفي عنه القدرة والإمكانية! كما أنَّني كنتُ ساعها أحدِّث اعتدالاً من على بعدِ سِياجِ الأمل المشوب بالتَّوجسِ تارة وهيبة الحدث أخرى أن تقييم لجنة تحكيم أي مسابقة للشعر ليس مقياساً لشاعريَّة الشاعر أو عدمها! ولا يمكن أن تقاس تجربة الشاعر على خمسة أو سبعة أبيات من بين 34 بيتاً للقصيدة! وعلى وقع تلك الهواجس المهيبة لم يخطر ببالي أن أسمع اسم اعتدال ذكرالله ضمن أسماء قائمة الأربعين شاعراً والمُجتازين تجربة التأهيل المبدئي في أولى اللقاءات التأهيليَّة من بين سبعمائة شاعر من الوطن العربي ويغيبُ الاسم خلال تصفية العشرين شاعراً الذين سيتنافسُون على الجائزة عبر حلقات البث الأسبوعيَّة المباشرة من قناة أبو ظبي!! وإنَّني لأظنُّ أنَّ المشاركة في تلك التجربة جاءت جميلة بتقاسيمها ومعالم تكاوينها بدءاً من عرض الموهبة واختباراتها الفورية الارتجاليَّة وختاماً بالفوز بعلاقات فكريَّة ثقافيَّة إبداعيَّة حميميَّة وشعراء الوطن العربيِّ واستمراريَّة التَّواصل الرُّوحي بينهم وفاءً وتعزيزاً! ولم تكن مشاركتي في أمير الشُّعراء تلك الأولى في نوعها إذ سبق وأن بعثتُ مشاركتي عبر موسمه الثالث 2009م وتمَّ قَبولها ولم أكن وقتها قد أعددتُ راحلتي الإبحاريَّة في خِضَمِّها بعد! واعتذرتُ على مضّضٍ أتبعتهُ رغبة مشاركة ثالثة في موسم الأمير السَّابع 2017م لم تحالفني البهجة ورافقتني الخيبة من أولى محطَّاتِها وحملتُ حقيبة رغائبي وعدتُ أحلِّقُ من جديد في فضاء الحرف الحُرِّ الأطلق البعيد عن قيود التَّحكيم وأشراط الجائز، وما لا يجوز غير أنَّني ما زلتُ أجوِّزُ لشاعريِّتي مالا يجوز لغيري من سلاسة إنشاء وغواية تعبير وجُنون تشاعُر وصَبابة إغواء ومتعة هواية لولاها ما كنتُ أتنفَّسُ الحياةَ أملاً في البقاء!