بعث الأستاذ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان بتعقيب على ما نشرته «الرياض» في ملحق السبت الثقافي بعنوان «مؤسسات المجتمع الثقافي.. ضرورة أم ترف؟» قال فيه: كان طرح التحقيق ذا بال، لفت نظري كما لفت بال كثير من ذوي الاختصاص الدقيق في المجالين العلمي والمجال الثقافي، إذ أن المؤسسات (مؤسسات المجتمع الثقافي) هي منطلق ما يراد من العلماء والمحققين والمثقفين سواء بسواء. في كل «دولة معاصرة» هناك مؤسسات متنوعة في مجالات عديدة تلتقي أو لعلها تلتقي في سياق أهمية الوعي العلمي وأهمية الوعي الثقافي فقد برهن الذهبي في (سير أعلام النبلاء) عن حقائق ذات بال حيال تنوع الأطروحات المتنوعة وما نتج عن هذا من سباقات حيثية بين العلماء أئمة النقد والطرح الخطابي التحليلي البعيد عن الإنشائيات العجولة مما أسفر عن هذا خلال القرون حتى القرن السابع الهجري، إضافات سباقة نوعية استفاد منها المجتمع طراً وذلك من خلال السبق المتناهي جودة وبذلاً مما بذله العلماء من زوايا متنوعة في بلدان كثيرة، كالحجاز والعراق والشام ومرو ونيسابور وبلخ وبخارى. كما ألمح إلى هذا «ابن عساكر» في «تاريخ دمشق» ومثله فعل (ابن قتيبة) وهو من كبار أئمة الأثر النقدي كما بينه في «عيون الأخبار»، وهو ما بينه «أبو علي القالي» في كتابه «الآمالي» وأوضحه كذلك الإمام «القشقلندي» في «صبح الأعشى». ومن هذا كله فإن «مؤسسات المجتمع الثقافي» كما طرحته «الرياض» هو ما يحسن اعتباره طريقاً جيداً للنقلات النوعية. والذي لعله يساهم في هذا هو الشراكة بين المؤسسات الثقافية مع المؤسسات الحكومية ذات الصبغة النوعية في المجالين العلمي والثقافي والمشاركة من هذا النوع أحسب أنها دافعة لتبادل المعرفة وتأصيل وتقعيد ما يتم طرحه من هنا وهناك، وهذا ولا جرم هو سبب من أسباب كثيرة تولد نوعية حية من التجديد. إن التعاون بين المؤسسات الثقافية الخاصة وكذا (إدارة البحوث العلمية) و(هيئة كبار العلماء) و(النوادي الأدبية) و(مجالس الجامعات العلمية) يعطي هذا نقلة إضافية، فإن تبادل الآراء وطرح المستجدات ونظر الجديد من النقد كل ذلك يجعل كل دولة تنحو نحو السبق غير المكرر عبر القرون، ولعلي أنحو بالأئمة على بعض الهيئات العلمية وكذا (النوادي الأدبية) أنحو عليهم لما يكون منهم من تكرار لما يطرح والخلط بين النقد والقراءات النظرية ودراسة الأعمال العلمية والثقافية، و(النوداي الأدبية) لم أزل ألومها مما يظهر منها من تقصير في (الطرح التجديدي) سواء من خلال اللقاءات أو المحاضرات، وهذا ينصب كثيراً على بعض الأدباء الذين كتبوا الرواية، ولأن غالب الناس اليوم لا يفرقون بين (الرواية وكتابة الخواطر والقصة والأقصوصة) فإنهم يكيلون (الثناء والمدح) لكل عمل روائي ظناً منهم أنه كذلك، وإنما هو (خواطر مبثوثة وحكايات سردية). وهذا ينجر فيما يكتبه بعض العلماء من بحوث من خلال مؤسسات آحادية أو مشتركة، وقد وقع لي من ذلك بعض هذه الكتب والتي وجدت فيها شيئاً لا بأس به من آثار ضعيفة، وهذا داعٍ إلى شيء من ضرورة التعاضد بين المؤسسات الثقافية الخاصة وبين المؤسسات الحكومية حتى يكمل البعض البعض الآخر ومنه تكتمل روافد العلم والثقافة في مسار جيد غير إنشائي، ولا خطاب مباشر وليس هو بالعجول والضعيف الطرح. ولعل ما يقلقني ويقلق غيري ألا تكون (المؤسسات الثقافية) ذات طابع ترف ظاهر، ولعل هذا واحد من أسباب عدة توجب ضرورة التعاون ويبرهن على هذا حقيقة الشعور بالمسؤولية، فإن تعاضداً مثل هذا يجعل المعنيين يشعرون بثقل المسؤولية تجاه العلم والثقافة من محاضرات وندوات ولقاءات وتأليف والكتابات الصحفية ليتم الابتعاد عن النقد الشخصي والتجريح السوقي والقدح، وإنما الكتابة على أساس الأخلاقيات وأدب الخلاف المحمود الذي ينتج عنه أصول غائية من الآراء والفهم القوي السديد، وزبدة القول فيما يمكن قوله هنا هو ضرورة أن تكون النتيجة عالية القدر فيما تبثه المؤسسات الثقافية، وكذا العلمية وأن يكون التمازج ذا طابع تجديدي أصيل.